مسبِّبات ارتفاع نسبة الجريمة ؟!

13 يوليو 2023

ذ .  عبد الرزاق الجباري
ــــــــــــــــــــــ
بالتمعن الحصيف في مختلف الظواهر الاجتماعية الإجرامية، وما يصطحبها من تدابير وإجراءات، نعتقد أن مسببات ارتفاع منسوب الجريمة بالمغرب، يرتد إلى أمور أربعة كلية جامعة:
أولها: تراجع مستوى التربية. والمقصود بالتربية هنا، مفهومها العام الموسع، وهو ما تنصَّلت منه جل المؤسسات المنوطة بها وضائف تربوية، وفشلت فيها، من قبيل: الأسرة، المدرسة، المسجد، الزاوية، .. إلخ. وهذا أمر مشهود معاين لا يمكن إنكاره.
ثانيها: انتفاء البرامج الواقية من الجريمة. ويمتح هذا العنصر وجوده، أساسا، من الاعتماد على المفهوم المضيق للسياسة الجنائية المتمثل في سن القوانين الجنائية فحسب، بدلا عن مفهومها الموسع الذي يقتضي مواكبة تطبيق وتنفيذ تلك القوانين بوضع جملة من البرامج والتدابير ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .. إلخ، تستهدف القضاء، أو على الأقل، التقليل من مسببات الجريمة بمختلف أنواعها، وذلك للاحتراز المسبق من وقوعها.
ثالثها: اكتظاظ السجون. لما فشلت المؤسسات المذكورة أعلاه عن أداء وظيفتها التربوية، وأحجمت السلطة التنفيذية عن تبني المفهوم العام للسياسة الجنائية، يلجأ المجتمع، عبر آلية التشريع الجنائي المجسد للمفهوم المضيق لهذه الأخيرة، إلى تربية المنحرفين عن طريق المعالجة القضائية من خلال استصدار أحكام تقضي عليهم بعقوبة الحبس أو السجن، لأن السجن مؤسسة تربوية من الصنف الثاني، تروم إعادة تأهيل السجناء وإدماجهم وفق منهجية مغايرة لمؤسسات الصنف الأول، وهو ما يؤدي بالتبع إلى اكتظاظ السجون. ولا شك أن هذا سيشكل عائقا واقعيا لاضطلاع هذه الأخيرة بدورها الطبيعي، مما أضحى معه وجوبا بناء مؤسسات سجنية بقدر ما يبنى من المؤسسات التربوية الأخرى.
رابعها: تأثر القضاء باكتظاظ السجون. لا شك أن القضاء، بين الفينة والأخرى، يتأثر، من حيث يدري أو لا يدري، بواقع الاكتظاظ الذي تعيشه سجون المملكة، ويرنو إلى إصدار أحكام بعقوبات حبسية موقوفة التنفيذ كبديل عن العقوبات السالبة للحرية، ولا أدل على ذلك من ارتفاع نسبة هذه الأحكام مقارنة بالأحكام القاضية بعقوبات نافذة، حيث تشكل الأولى أضعافا مضاعفة للثانية رغم أنها استثناء وهذه الأخيرة قاعدة؛ لدرجة أن كادت بعض القضايا، بالرغم من خطورة الأفعال موضوعها، عنوانا لإصدار أحكام بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ بمجرد تنازل الضحية أو المشتكي عن شكايته، وهو ما أفرز واقعا قانونيا غير طبيعيٍّ، طالما أن مرتكب الفعل الجرمي لم ينل ما يلائم شخصيته من تدابير عقابية شُرٍِعت لإصلاحه، وهو ما يفتح المجال مشرعا أمام حالات العود لارتكاب الجريمة.
فلا ريب أن اجتماع هذه الأمور الأربعة، سيدفع، لا محالة، إلى ارتفاع منسوب الجريمة، بالنظر إلى اضمحلال عنصر التربية بكل أصنافها، وانتفاء ما يستعيضها من برامج وتدابير احترازية متعددة المجالات، مع تأثر القضاء بواقع السجون الذي يتعين تكثيف جهود جميع المتدخلين لرفعه وإصلاحه.
ـــــــــــــــــ

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading