ذ : إدريس حيدر
كان ” بوشتى” صديقا حميما، أعزه و أحبه ،كما أنه كان يبادلني نفس المشاعر و متضامن معي في محنتي و معاناتي التي كنت أمر منها في تلك الظروف الصعبة.
توسل أباه، قصد إقناع صديقه ” العياشي” المالك لسيارة أجرة صغيرة من أجل تشغيلي مع تقديمه له ضمانات شخصية بخصوصي.
وافق السيد ” العياشي” ،و مكنني من سيارة أجرة صغيرة من نوع ” بوجو ” ،و اتفق معي على أن تكون أجرتي محددة في ثلث المداخيل بعد خصم الصوائر، فيما نصيبه هو الثلثان .
وافقت على مضض ،لأنني أدركت أنني سأكون موضوع استغلال كبير من طرف مالك السيارة المدعو : “”العياشي”،لكن أوضاع أسرتي أرغمتني على القبول .
كنت أبدا عملي تارة في ساعات الصباح الباكر : 06 صباحا و أتوقف في الساعة 03 ظهرا و أحايين أخرى أنطلق في عملي ابتداء من 03 ظهرا و أتوقف في الساعة 01 بعد منتصف الليل ،بمعنى أنني و سائق آخر كنا نتناوب على العمل .
كانت ظروف العمل في البداية قاسية خاصة أيام البرد القارس ،إلا أنني تعودت على ذلك مع مرور الوقت .
عايشت أحداثا زلزلت كياني ،كوضع بعض السيدات لحملهن في السيارة ،و نقل بعض المرضى ( و كان مسموحا به آنذاك ) في وضعية صعبة إلى المستشفى ، و بعض السكارى إلى حيث يريدون ،و صاحبت أيضا المصابين بجروح قاتلة نتيجة تعرضهم لاعتداءات وحشية من طرف بعض المجرمين .
كل هذه الحالات و غيرها ،كانت تربكني، تقلقني ،تخيفني و تخلق لدي عدم توازن بل زلزالا في حياتي الشخصية ، و كنت أُسَاقُ أحيانا إلى مفوضيات الشرطة ،حيث كنت أخضع لاستنطاقات طويلة ،علاقة بحادث عاينته أو جاني نقلته إلى مكان محدد ، و لم يكن يُفْرَجُ عني إلا إذا ثبت لرجال الأمن عدم علمي بالفعل الجرمي أو حسن نيتي .
و كم من مرة تملكني الخوف و الرعب ،عندما أقل أشخاصا حاملين لأسلحة ملطخة بدماء ضحاياهم .
كما كنت اجدني هادئا ،مطمئنا و مرتاحا عندما أساهم في خدمة كهل أو عجوز مريض أو عاجز .
طيلة فترة عملي سائق سيارة الأجرة ،اطلعت على أسرار و حكايات غريبة ،كما استمتعت بنقاشات عميقة و غنية في مختلف المعارف و المدارك لدرجة كنت أتمنى فيها أن يطول المسار وأستمتع أكثر.
يتبع…