متاهة (02)

17 سبتمبر 2021

ذ : إدريس حيدر

كان ” بوشتى” صديقا حميما، أعزه و أحبه ،كما أنه كان يبادلني نفس المشاعر و متضامن معي في محنتي و معاناتي التي كنت أمر منها في تلك الظروف الصعبة.
توسل أباه، قصد إقناع صديقه ” العياشي” المالك لسيارة أجرة صغيرة من أجل تشغيلي مع تقديمه له ضمانات شخصية بخصوصي.
وافق السيد ” العياشي” ،و مكنني من سيارة أجرة صغيرة من نوع ” بوجو ” ،و اتفق معي على أن تكون أجرتي محددة في ثلث المداخيل بعد خصم الصوائر، فيما نصيبه هو الثلثان .
وافقت على مضض ،لأنني أدركت أنني سأكون موضوع استغلال كبير من طرف مالك السيارة المدعو : “”العياشي”،لكن أوضاع أسرتي أرغمتني على القبول .
كنت أبدا عملي تارة في ساعات الصباح الباكر : 06 صباحا و أتوقف في الساعة 03 ظهرا و أحايين أخرى أنطلق في عملي ابتداء من 03 ظهرا و أتوقف في الساعة 01 بعد منتصف الليل ،بمعنى أنني و سائق آخر كنا نتناوب على العمل .
كانت ظروف العمل في البداية قاسية خاصة أيام البرد القارس ،إلا أنني تعودت على ذلك مع مرور الوقت .
عايشت أحداثا زلزلت كياني ،كوضع بعض السيدات لحملهن في السيارة ،و نقل بعض المرضى ( و كان مسموحا به آنذاك ) في وضعية صعبة إلى المستشفى ، و بعض السكارى إلى حيث يريدون ،و صاحبت أيضا المصابين بجروح قاتلة نتيجة تعرضهم لاعتداءات وحشية من طرف بعض المجرمين .
كل هذه الحالات و غيرها ،كانت تربكني، تقلقني ،تخيفني و تخلق لدي عدم توازن بل زلزالا في حياتي الشخصية ، و كنت أُسَاقُ أحيانا إلى مفوضيات الشرطة ،حيث كنت أخضع لاستنطاقات طويلة ،علاقة بحادث عاينته أو جاني نقلته إلى مكان محدد ، و لم يكن يُفْرَجُ عني إلا إذا ثبت لرجال الأمن عدم علمي بالفعل الجرمي أو حسن نيتي .
و كم من مرة تملكني الخوف و الرعب ،عندما أقل أشخاصا حاملين لأسلحة ملطخة بدماء ضحاياهم .
كما كنت اجدني هادئا ،مطمئنا و مرتاحا عندما أساهم في خدمة كهل أو عجوز مريض أو عاجز .
طيلة فترة عملي سائق سيارة الأجرة ،اطلعت على أسرار و حكايات غريبة ،كما استمتعت بنقاشات عميقة و غنية في مختلف المعارف و المدارك لدرجة كنت أتمنى فيها أن يطول المسار وأستمتع أكثر.

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading