
ذ . ادريس حيدر
في السجن هناك أمكنة لها دلالة خاصة و تشكل جزء من معمار السجن و من حياة السجين .
ف” المزار ” (Parloir ) ، هو الكوة أو الشرفة التي يُطِلُّ منها السجين على الكون و الناس ، و منها يشم نسائم العالم الخارجي من خلال زيارة الاهل و الأحباب و الأصدقاء.
و قد تقدح زيارات الاهل و الأغيار لدى السجين، نار الحسرة و الألم و المرارة ، كما قد توقد داخله مشاعر الفرح و النشوة و الأمل.
ثم ” الساحة ” ( La Cour ) هي الأخرى جزء أساسي من بنيان السجن و فضاء لحياة السجناء .
فالخطو فيها يُشْعِرُ المعتقل أنه لازال على قيد الحياة . و هو مكان لفُسَحِ السجناء و تبادلهم وجهات النظر و الأخبار، و و هي لحظة لكسر الروتين الذي يجثم على صدورهم .
و قد تستعمل الساحة لممارسة المعتقلين لبعض الأنشطة الرياضية بغية المحافظة على ذواتهم و لمقاومة انعكاسات هذا القبو أو الجحر( الذي هو السجن ) على صحتهم من حيث مقاومة الرطوبة و غيرها.
” الزنزانة ” او ” شامبري ” – كما تُنْطَقُ هناك – (Chambre )
و هي المكان أو الفضاء الأساسي الذي يقضي فيه السجين عقوبته .
“سجن السجن ” أو ” الكاشو ” (Cachot) و هي زنزانة ضيقة و مظلمة ، و يُزج فيها بالسجين وحيدا لمدة محدودة في ظروف صعبة و تُعد بمثابة سجن آخر داخل السجن .
و هي مكان للعقاب و التعذيب النفسي و الجسدي للسجين المتمرد و الغير المنضبط و الغير المتعاون و المرتكب لأفعال مخالفة للقانون ، و هي وسيلة لقمع و إرهاب السجناء تستعملها إدارة السجن بشكل ظالم في أغلب الأحيان.
” المناداة ” ” لابيل ” (L’ Appel) ، تتم هذه العملية كل صباح ، حيث يُحصى المعتقلون للتأكد من عدم فرار أي منهم و هي آلية لضبط السجناء
” رئيس المعقل أو الزنزانة ” ” شاف شامبري ” ( Chef de la hambre c ) ، و غالبا ما يُعين من طرف الإدارة ، حيث يتمتع ببعض الامتيازات الصغيرة و أحيانا التافهة مقابل قيامه بدور المخبر لفائدتها .
و هذا الشخص تتوفر لديه غالبا بعض المميزات ك : قوته البدنية ، شراسته، عنفه و جرأته…الخ.
أما آليات و منقولات القلعة الإسمنتية ، فتظل ابد الدهر موشومة في ذاكرة السجين . ك:
“بيتييا” ( و لا أدري مصدر هذا الإسم ) ، و هو الإناء الذي يوضع فيه طعام السجين ليتناوله.
” بانيي” (Le Panier ) ، و هي القفة التي تُمْلأ ببعض الأكل و بعض حاجيات السجين ، و التي تأتي بها بعض العائلات عند زيارة أبنائها .
و هناك عملية تتم بين الفينة و الأخرى و يخافها خاصة سجناء الحق العام و تسمى ب: ” لا فويْ” ( La fouille) ، و هي تفتيش الزنازن على حين غرة لوضع اليد على الممنوعات التي تروج سرا ، كما أنها تتم عندما يدخل المعتقلون و خاصة السياسيون منهم في إضراب عن الطعام .
و يُلاحظ أن أسماء ” الامكنة ” و ” الأشياء ” فرنسية تم ” تدريجها ” و استعملت غالبا في السجون في فترة الحماية و ظلت كذلك .
تلك كلمات و اخرى و مسميات يتكرر استعمالها و ترديدها داخل السجن ، و هي لغته و من تم محدوديتها.
و بموازاة هذه الكلمات المستعملة في السجن و التي هي جزء من اللغة المتداولة فيه ، فإن لغة المعتقلين السياسيين تميزت وسط تلك الخلطة الرديئة ، بكونها لغة المجتمع القارئ، غنية بالدلالات، بل و تتخللها عبارات عالمة و اشعار و استعارات ملؤها الجمال و البهاء.
يتبع…