فيض المحبة

18 أكتوبر 2021

د : عبد السلام دخان :

إعادة استيعاب الحياة عبر تحوير معهودها، واقتطاع لحظة فرح عبر إخراجها من القوة إلى الفعل تتطلب مايسميه فريدريك نيتشه بقوة التجربة لانكشافها وإعادة صياغتها كإدراك وانزياح عن المألوف، بيد ان اقتناص لحظة فرح وسط صخب الحياة يمكن عَدُّهُ محاولة للتصالح مع متخيل الذات وسعيها إلى نشدان السلام.
الفرح الصغير يمثل استعارة مكتملة للعمر، يتخلص من ثقل الذكريات، ويؤسس وجوده وفق أنساق الراهن. الزمن دائم التحول، والذات تدرك هول الحركة وانعكاسها على طاقة الذات، بيد أن اللحظات المتواشجة تنبني على مواجهة مباشرة بين الذات والزمن، وحدس هذا العمر وهو يتجه نحو نهايته التراجيدية.
ربما كان الفرح الصغير ترجمة لرغبة في الانصات لأصوات ظلت مقصية بفعل سطوة معهود الحياة، ودعوة علنية لمراعاة مختلف التحولات بعيدا عن معيار “العقل الصارم” لأن الشاغل الأساس هنا هو الحدس.
رقصة عابرة، او غناء منفرد، او عزف درامي، او نكهة قهوة الصباح، ربما تتخد هيئة لوغوس نابع من القلب، بوصفه تفكيرا أصيلا في الإنسان وفي تذوق الذات للزمن عبر المكان في تحققه الأنطلوجي، وتبعا لهذا القول فراهن هذه الذات لايرتبط فقط بتاريخها (عِبْءُ الذاكرة)، بل بممكنات الفرح الذي عده سبينوزا في كتابه «رسالة في إصلاح العقل» مدخلا لنيل السعادة.
خفة الفرح تترجم رغبة ” العقل الناعم” في تخليص اللحظة من ثقل الشجن لصالح الافتتان بها، وبطاقتها المشيدة على الحدس، وحتما فإن الغاية القصوى للحياة هي أن نشعر بأننا نستحق ولو القليل من الفرح.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading