
ذ . ادريس حيدر
كان المعتقلون السياسيون يقضون أيامهم رهن الاعتقال و الحبس و هم كتلة متراصة و متضامنة و متآزرة .
و كانت الأدوار توزع بين أعضائها .
و كان كلما تطلب الأمر اجتماعا من أجل الدفاع عن حقوقهم و صيانتها او محاولة وضع حد لتعسف الإدارة في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي أو الدفاع عن كرامتهم ، أو تطلبت اللحظة إصدار بيان سياسي مرتبط بالوضع الداخلي للبلاد أو الدولي ، إلا و استجابوا جميعا للقيام بما تمليه عليهم قناعاتهم و ضمائرهم .
و قد تحصل اختلافات في الرؤى و المقاربات، إلا أن الموقف النهائي يخضع للتصويت و بالتالي تنتصر الديمقراطية .
و هكذا أصدر المعتقلون السياسيون بيانات تدين الوضع السياسي في البلاد و تُعرِّي قرارات الدولة المضرة بالجماهير و تنتصر دائما للشعب ، و تتضامن مع المعتقلين السياسيين و معتقلي الرأي في محنتهم ، مطالبين بإصدار عفو عام عليهم ، و لم يفتهم إصدار بلاغات تتعلق بالوضع العربي المأزوم و المتردي جدا ، شجبوا فيها تآمر و تواطئ الأنظمة العربية على الشعب الفلسطيني ، معلنين إيمانهم بأن الانتصار على الدولة الصهيونية سيكون حليفه.
و ما كان يُلْفِتُ الانتباه في إقامة المعتقلين السياسيين بالسجن ، هو انضباطهم الكبير لتعليمات ” لجنة الحوار ” التي كانت المحاور الوحيد و الاساسي للإدارة و الساهرة على حسن إقامتهم .
ما ميز أيضا تواجدهم بالقلعة الإسمنتية هو انكبابهم على قراءة أمهات الكتب الفكرية و الفلسفية و الأعمال الإبداعية و خاصة لكبار الروائيين في العالم .
و كانت كذلك نقاشات المعتقلين السياسيين أحيانا حادة لكون أصحابها عادة ما ينتمون لمشارب سياسية مختلفة ، لكن كانت تتم باحترام تام و كامل لبعضهم البعض .
و يجدر التذكير إلى أنهم كانوا يتعاملون مع الأغيار بكثير من التحفظ ، درءاً للوقوع في فخ المخابرات ، و معرفتها لنوع زوارهم أو توقيت إصدارهم لبياناتهم أو معرفة مضامينها .
هذا الموقف الاحترازي كان الهدف منه حمايتهم و تنظيماتهم خارج السجن .
من جهة أخرى كانت حصة الرياضة للترفيه عن النفس أكثر منها للمحافظة على الطراوة و رفع منسوب المناعة الجسدية .
فمن المعتقلين من كان لا يقوى على القيام بالتمارين ، و منهم من كان يغش و آخرين ينسحبون معلنين عدم قدرتهم على مواصلتها، خاصة و أن أغلبهم كان يدخن و لم يسبق له أن مارس الرياضة .
و في الاماسي ، كانت تعقد ، في الغالب حلقات للنقاش ، قد تأخذ كثيرا من الوقت و أحيانا تدوم طويلا .
و بين الفينة و الأخرى تتوقف المناقشات، حيث تُرْفع الشعارات و تُردد الأناشيد ، التي يملأ صداها كل أركان السجن و التي تنتصر للعامل و الفلاح و تمجد القيم الفضلى ، و تنبئ باقتراب النصر و بزوغ شمس الحرية .
يتبع…