د .خالد الصمدي يكتب : قرن من التربية معلمة مدينة القصر الكبير ، التي خرجت من تحت الرماد، تستعد للاحتفال بمرور مائة سنة على تأسيسها، ( 1924- 2023)

24 أبريل 2023

د . خالد الصمدي :

خلال مهمتي الحكومية مكلفا بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي كنت في زيارة عائلية خاصة إلى مدينة القصر الكبير ، مررت أمام المدرسة التي قضيت بها جزءا من دراستي الابتدائية ، والتي كانت تعرف ساعتها بالمدرسة المركزية ELgropo ، وقليل من كان يعرف اسمها في بداية الاستعمار مدرسة ألفونسو الثالث عشر ،
شدني معمارها الاسباني الفريد ، الذي حرك في نفسي لواعج الماضي ، إلا أن ما آلمني هو إحكام إغلاق بابها أمام التلاميذ ، طرقت الباب فخرج رجل في الستينات من عمره يبدو من مظهره أنه حارس ، فأخبرني بكل أسى أن المؤسسة مغلقة لكون الجهات الوصية قدرت أنها آيلة للسقوط ، وأن الشكوك تحوم حول إمكانية هدمها وتفويتها إلى مستثمرين في العقار نظرا لموقعها الاستراتيجي ،
رجعت بي الذاكرة الى مرحلة الشغب الطفولي بين ردهات هذه المعلمة الفريدة ذات الطراز الاسباني الاندلسي العريق ، فمر أمام ناظري في لمح البصر حوض السمك الاحمر ، وملعب كرة السلة ، وثلة من المعلمين الاجلاء الذين قضوا حياتهم التعليمية هناك ومنهم والدي حفظه الله وبارك في عمره فتخرج على أيديهم منها تلاميذ نجباء منهم اليوم قضاة وأساتذة وعلماء ووزراء ومهندسون نجباء ،
شعرت بالفخر الممزوج بالأسى لما آل إليه وضع هذه المعلمة المعمارية والتربوية العريقة ، التي جلست على مقاعدها ولعبت في ساحتها وشربت من مائها ورددت النشيد الوطني في ساحتها والعلم الوطني يرفرف عاليا في ساحتها ،
استرجعت كل هذه الذكريات وأنا أتأمل في ذهول وشرود ، هذا المصير المؤلم، وكيف هان على القائمين بأمر الشؤون الإدارية والتربوية بالمدينة ود تاريخها وأدوارها ،
أخذت هاتفي فكلمت مدير أكاديمية تطوان الاستاذ الجليل عبد الوهاب بنعحيبة ، وفور جوابه أفرغت عليه عميق إحساسي وعريق ذكرياتي ، ومتمنياتي ببذل الأكاديمية جهودها لعودة هذه المؤسسة الى سابق عهدها اعترافا بماضيها واستشرافا لمستقبلها ، فوعدني مشكورا بإيفاد مكتب دراسات للتأكد من وضعها ،
سررت جدا لهذا القرار ووعدني بإخباري أولا بأول بالنتائج ،
وبالفعل بعد مرور بضعة أشهر فاجأني بالخبر السار الذي يؤكد سلامة أسسها وقواعدها، وأن الأكاديمية قد أدرجت ترميمها في إحدى دوراتها وخصصت لذلك ميزانية تم المصادقة عليها ، مع المحافظة على طرازها الاسباني الأصلي ، سررت للنبإ ودبت في أساريري علامات الارتياح ،
وخلال زيارة رسمية إلى المدينة رفقة الوزير الصديق محمد حصاد ادرجنا ورش إصلاح هذه المؤسسة في البرنامج ، وبالفعل وقفنا في عين المكان على تقدم أشغال الإصلاح ، الذي كانت تشرف عليه المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالعرائش، أعجب الوزير بجمال البناية وجودة أشغال الترميم وكنت ونحن في الطريق إليها قد حدثته عن ماضيها وأدوارها ، فما كان منه إلا أن أمر مدير الأكاديمية بدراسة إمكانية الرفع من ميزانية الإصلاح لتشمل تزويد المؤسسة بتجهيزات حديثة مع إحداث أقسام متخصصة في التعليم الأولي ، والعناية بالمساحات الخضراء، والملاعب الرياضية وأجود تجهيزات الإنارة ،
وههي اليوم مدرسة ابن خلدون قد استعادت بهجتها وبهاءها ، وعاد التلاميذ والتلميذات مسرورين إلى حضنها ، فاستأنفت أدوارها التربوية ، وعاد النشيد الوطني إلى ساحتها الفسيحة الخضراء كأعرق وأجمل مؤسسة تعليمية ابتدائية في شمال المملكة ، تختزن ذاكرة قرن من الزمن ،في خدمة التربية والتعليم بهذا الوطن ،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،
اليكم هذه الأشرطة الاخبارية القصيرة عن المؤسسة في حلتها الجديدة بعد أن انبعثت من رماد ، وهي تحتفل هذه السنة بمرور قرن ( 100 سنة ) على بنائها ، نتمنى أن تخلد الجهات الوصية على أكاديمية جهة طنجة تطوان وجمعية قدماء تلاميذ مدرسة ابن خلدون هذه الذكرى بداية السنة القادمة بما يليق بتاريخ هذه المعلمة التربوية المؤسسة وعطائها في سياق الاحتفال بذاكرة المدرسة المغربية ، فمن لا ذاكرة له لا يستطيع صناعة المستقبل ،

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading