
ذ . ادريس حيدر :
بمجرد أن أُحِلْنا كمعتقلين سياسيين على السيد وكيل الملك ثم على الجلسة ، حتى وجدنا أنفسنا محاطين بمحامين متطوعين ، يُؤازروننا في المحنة التي كنا نمر منها.
كنا نعرف البعض منهم بحكم انتمائهم إلى نفس التنظيم الذي كنا نناضل في إطاره ، أو لكونهم كانوا معروفين بمواقفهم المبدئية و تواجدهم بقوة في المحاكمات السياسية المختلفة التي كانت تشهدها و تعج بها البلاد .
كما كنا نشعر بهم و كأنهم أفراد من أُسَرِنا ، نظرا لدفاعهم المستميت عنا .
و ما كان يثير الانتباه هو إنهم كانوا يوزعون الأدوار بينهم ، بحيث يصبح دفاعهم متكاملا و متناغما و متسقا. هذا فضلا عن زياراتهم المكثفة و المستمرة ، و إدخالهم لنا بعض احتياجاتنا .
لقد اقتنعت ، من خلال ممارسة هؤلاء المحامين الأفاضل لمهنتهم بكثير من الشجاعة و النبل ، بضرورة انتسابي إلى هذا القطاع – في حالة ما إذا طُرِدْتُ من الوظيفة العمومية بعد قضائي للعقوبة السجنية – ، لكي اتمكن من ممارسة قناعاتي بكل حرية .
كان المحامي رجلا شامخا بدفاعه عن الحق و العدل، و لا يخاف في قول الحق لومة لائم .
و كان أثناء المرافعة يقوم بتفكيك سياسة الدولة المناهضة لطموحات الشعب ‘، كما كان يُعري على الفساد الذي ينخر البلاد و يطالب بالتوزيع العادل للثروة و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، كما كان يمارس الضغط على الدولة من خلال تصريحاته النارية و القوية التي كان يعطيها للمحطات الإذاعية و التلفزية العالمية ، مُدينا ممارسات الدولة الحاطة بكرامة البشر من تعذيب و غيره.
ظل المحامون يترددون علينا في السجن ، مصحوبين بالكتب و الجرائد، و عاملين على إخبارنا بما يروج و يمور داخل البلاد.
و إن كنت انسى لن انسى ذاك المحامي الشاب ابن نقيب معروف و مشهود له بمواقفه الشجاعة ، و كيف أنه تماهى مع المعتقلين إلى درجة أنه كان يُعَرِّضُ نفسه للمساءلة أو للخطر.
و ها أنذا الآن أمتهن المحاماة ، بعد طردي من وظيفتي ، كما توقعتُ ، و أحاول ان أجعل منها منبرا آخر لممارسة قناعاتي و النضال من أجل صيانة و احترام حقوق الإنسان و التصدي للانتهاكات التي تطالها.
و اختياري المحاماة كان بتأثير كبير من أولئك المحامين النزهاء و الأشاوس .
فسلام عليهم جميعا .
يتبع…