إشراقات ثقافية (10)

1 أبريل 2023

إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى

وقد تضافرت شبكة البنيات الثلاث السابقة، لصنع أنظومة جوهرية عميقة بحكاية (كيد النساء؟ كيد الرجال؟). نقصد: بنية التفوق. فمن براعة أداء هذه الحكاية جماليا، كون حبكتها قامت تخييليا على نسيج محكم من متواليات الخداع أساسا. بل إنها على المستوى السردي، قد تناسلت وتطورت واكتملت، عبر حيلة سردية بسيطة، هي حيلة تبادل الكيد، بين شخصيتين اثنتين لا غير، هما بطلا الحكاية وقطباها، من غير أن ينتبه المتلقي العادي لهذا المكر السردي، سيما وأن نسق الحكاية يوهم بالطول النسبي، ويوحي بشساعة عوالم النص أحداثا وأزمانا وفضاءات وشخصيات. على أن كل هذا المكر الذي مارسته الحكاية شكلا ومضمونا، وفق ما اتضح لنا الآن، كان ينسج خلال عملية تبادل الكيد بين البطلين، هدفا واحدا ووحيدا لا ثاني له، هو هدف الإعلاء من تفوق المرأة على الرجل في ممارسة المكر. ولعل في العرس الضخم ترميزا واضحا إلى المكانة المرموقة التي يجب أن تتبوأها المرأة في المجتمع، مادامت قد أثبتت جدارتها بفعل مرورها بأمرّ الاختبارات وأقساها، مؤكدة في نفس الوقت عجز الرجل وفشله عجزا وفشلا ينمان عن تهور وسذاجة وضعف حيلة، لا تليق بما يشاع عن الرجل من صلابة الجسد ورجاحة العقل وحسن التدبير. وبكلمة واحدة، يمكن اعتبار العرس احتفالا إرهاصيا بولادة المرأة الجديدة في المجتمع الذكوري المحافظ.
ويمكن فهم استراتيجية هذه الحكاية بالانتباه إلى المفارقة التي يتعاون المستويان السطحي والعميق في صنعها. ذلك أن المهمة المباشرة، الممركزة على إنجاز الرسالة المصيرية الصعبة لصالح المرأة، تتلخص في كون كيد المرأة هنا في هذا النموذج الرائع من الحكاية الشعبية، لم يوظف من أجل الصراع للصراع، ولا الكيد من أجل الكيد، ومع الرجل فقط، كما يقول ظاهر الحكاية، بل للدفاع عن الذات الأنثوية المقهورة المستضعفة والمستفزة، واستعادة الاعتبار الذي سلبه المجتمع الذكوري تاريخيا منها، وإسماع لصوت المرأة، المستشرف لآفاق العلاقة الديموقراطية الممكنة، المتوخاة بين مكونات المجتمعات والشعوب في مستقبل مثل ذلك المجتمع، أحرى بين المرأة والرجل. فما نموذج عائشة هنا سوى شخصية نمطية، ترمز لكل النساء اللائي حجز المجتمع حريتهن وشل طاقاتهن، بقدر ما أن ابن الملك ليس إلا ممثلا لمطلق الرجال في مجتمعات ذات ثقافة بتراركية يسودها الذكور.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading