إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى
3 ـ بنية الانكشاف: الحقيقة أن هذه البنية متخللة في جسم الحكاية. فلا يرد تفصيل او مشهد أو موقف، من غير أن نشم منه رائحة الانكشاف، وبالأخص بالنسبة للبطلة. لقد كانت تظهر دائما كما لو كانت تقرأ ما يدور في عقل ابن الملك، مستعينة بالاستنطاق الذي يرد عليه بالإخبار في سذاجة وتواطؤ خارجين عن وعيه، خلال الحوارات القصيرة المركزة التي كانت تدور بينهما بين الحين والآخر. وهو ما مكن عائشة من إفشال كل خططه الكيدية، وجميع الأفخاخ التي ينصبها لها، والتشويش على الأهداف التي يرمي إليها.
وإضافة إلى كون تجسيدات هذه البنية تطول أدق تفاصيل الحكاية، يمكن تسجيل أن المشهد الأخير في الحكاية، وهو مشهد الزواج، قد استأثر بأهم خيوط هذه البنية. ففيه انكشفت حقيقة كيد البطلة وكل حيلها السابقة، بممارسة كيد جديد منها، نعتبره مفتاح الانكشاف الأكبر، خاصة بالنسبة لابن الملك الجاهل الوحيد في الحكاية ـ عكس البطلة والمتلقي ـ بأنه المغفل الأول والأخير في الحكاية، فكان آخر من يعلم كما الزوج المخدوع في المثل المأثور.
فقد عزم ابن الملك في هذا المشهد على الزواج مجددا. وبعد حوار مقتضب بين البطلين، مبني على ثنائية الاستنطاق / الإخبار، يهدف فيها ابن الملك من جهة، إلى الإمعان في إغاظة عائشة والنكاية فيها، وتسعى هي خلالها من جهة ثانية، إلى المعرفة بكل ترتيبات العرس لحاجة في كيدها؛ قامت البطلة بإعداد أبنائها الثلاثة لمهمة أخيرة، لكنها حاسمة للصراع بينها وبين ابن الملك، حيث لقنتهم كل ما يجب أن يقوموا به ويرددوه في القصر، مزودة كل واحد منهم بإحدى الهدايا الثلاث (علامةI²)، التي سبق ابن الملك أن منحها إياها خلال النزهات السابقة (خاتم، خنجر، دليل الخيرات)، ثم أرسلتهم إلى القصر لإفساد كل الأفرشة المعدة للعرس، وكلما نهرهم الخدم رددوا: ((الدار دار أبينا وأولاد الكلاب يطردوننا)). وكما كان متوقعا، جاء ابن الملك، ووقف على جلية الموقف، حيث تحقق من العلامات الثلاث، وتعرف على أبنائه. فانكشفت له خيوط كل الحقائق المبنية على شيطنة كيد عائشة (اكتشافEx )، ولم يجد أخيرا بدا من التسليم بالأمر الواقع، والاعتراف الضمني بتفوق كيد المرأة على كيد الرجل، بعد أن أثبتت عائشة قدرتها على الاستماتة في قناعتها، من غير أن تنال من عزيمتها كل الإكراهات، من حيل وتحديات وأفخاخ وإساءات وعقوبات، مما تفنن ابن الملك في صنعه (انتصارJ)، فلم يكن في وسعه إلا أن أخرجها من المطمورة، وجدد زواجه بها، حيث أقام لها عرسا لم يسبق له مثيل (زواجW²)، واضعا حدا لعلاقة التضاد بينهما، وموْقفا موجة الصراع وتدفق النص معا.
يتبع
