ذ. الخليل القدميري
توقفت الخدمة الإلكترونية بمصلحة تدبير شؤون المهاجرين، وانقطع رنين الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية، وأزيح ستار التحفظ في قاعة الانتظار، وانصرف القوم إلى مطالعة كتبهم أو التحدث فيما بينهم.
كانت تلك مناسبة سانحة لأتحدث إلى سيدة مسنة، أخذت مكانها بجانبي، عن ظروف العيش الموسومة بمخلفات كورونا، والنقاش الذي أثاره حظر التجول والتقيد بالتدابير الصحية المعلنة، وانعكاسها على الحريات، والتعويضات عن فقدان الشغل ونظام العمل عن بعد، وأثر كل ذلك على سوق الشغل وعلى العلاقة بين المُشغِّلين والمُشغَّلين، وغير ذلك من مواضيع استأثرت باهتمام الناس ومنهم، بطبيعة الحال، المهاجرين القادمين إلى كندا من أجل الدراسة والعمل.
وحين شعرتُ برغبة جارتي في سرد حكاياتها، أفسحتُ لها المجال، لتخبرني بأنها من أصل ألماني، من مواليد عام 1940، بما كان يسمى ب” تشيكوسلوفاكيا”. وفي سن السادسة من عمرها، نزحت مع أسرتها، ضمن أقلّية ألمانية تم ترحيلها غداة اندحار النازية في الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن أفصحت عن الغرض الذي جاءت من أجله، وهو الحصول على وثيقة تفيد بقاءها على قيد الحياة، لتحافظ بذلك على استمرار استفادتها من حقها في المعاش ببلدها الأصلي، تناولت، مبتسمة، حكاية اقترانها ، في سن الثامنة عشرة من عمرها، بمهندس عربي، أحبته بقوة وفضَّلتْه على بني جلدتها، ورافقته إلى كندا، وإن لم تكن راغبة في مغادرة بلد لا زالت تحن إليه بقوة.
وذكرت أنها أنجبت ولديْن وبنتاً واحدة، إلا أنها انفصلت عن رفيقها بسبب ما ثار بينهما من خلافات، نتجت عن تباين وجهتيْ نظرهما حول تربية الأبناء، وأكدتْ، أن رفيقها عامَل فلذة كبدها الوحيدة بقسوة، جعلتها تهاجر، دون رجعة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فور بلوغها سن الرشد.
وتتلخص ثالث حكاياتها في اقترانها، في سن الخمسين، بمهاجر، أيضاً، من أصل عربي، لكنه هذه المرة، عاطل عن العمل، جاء بصفته عازباً إلى كندا، فقبلت به رفيقاً على هذا الأساس، إلى أن فوجئت بتوصلها بمظروف، يحمل إليها خطاباً وصوراً لامرأة في مقتبل العمر، تتوسط ثلاثة أطفال صغار، تخبرها بأنها زوجة بعلها الأولى، والأطفال، الماثلين في الصورة، هم أبناؤه منها، وكان خطابها مرفوقاً بوثائق إثبات رسمية. وصرحت الباعثة بأنها مستعدة للتنازل عن زوجها مقابل أن يلتزم بالإنفاق على أبنائه الثلاثة.
وبعودة الحياة إلى الشبكة العنكبوتية، ظهر الرقم الذي بحوزتي على شاشة أحد الشبابيك، فاعتذرت لجارتي وذهبت لقضاء مآربي، وصور حكاياتها تلح علي لروايتها.
مونتريال يوليوز 2022