ذ . إدريس حيدر
قررت الجهات المختصة ،إحالة كل المعتقلين السياسيين على المحكمة من أجل إجراء محاكمة صورية بعد أيام و شهور من التعذيب ،الإهانة و الضرب المبرح من أجل الاعتراف بتصرفات و وقائع لا علم لنا جميعا بها و التوقيع بعد ذلك على محاضر مزورة .
كان يوما مشهودا ،حيث أخذ الاستنطاق و الاستماع لنا من طرف السيد وكيل الملك وقتا طويلا،اعتبارا للعدد الكبير من المعتقلين .
كان السيد وكيل الملك مرفوقا بشخص أجنبي عن قطاع العدل ، و عَلِمَ المحبوسون فيما بعد ،أن الرجل كان ينتمي إلى الأجهزة المخابراتية.
كان يطرح علينا بعض الأسئلة انطلاقا من المحضر المزور و المُعَدُّ من طرف الضابطة القضائية !!!.
فمثلا كان يسأل عن الدوافع التي كانت وراء قيامنا بالمشاركة في المظاهرات الغير المرخص لها في بعض أزقة المدينة القديمة ب” سلا ” ،ليلة البارحة ،و الحال أننا كمُسْتَجْوَبين كنا معتقلين اعتقالا قسريا لدى الجهات المعلومة منذ مدة طويلة .
و عندما كنا نحتج و نواجه السيد وكيل الملك بالحقيقة ، كان يعطي هذا الأخير أمره لرجال الأمن من أجل إخراجنا من مكتبه و سياقتنا إلى حيث أُودِعَنا بجناح خاص في المحكمة .
و أخيرا و بعد انتهاء السيد وكيل الملك من استنطاق المعتقلين ،أعطى أمره بإحالتنا جميعا على السجن المدني السيء الذكر ” لعلو” بالرباط.
انطلقت حافلة رجال الأمن صوب السجن المذكور محملة بثلة من خيرة أبناء الشعب، الذين رفعوا أصواتهم مرددين :
” زغريدي يا أمي ،يا أم الثوار
بلدي حبلى بالأحرار ”
كان أحد رجال الأمن الذي حرسنا لمدة طويلة ،يستنكر ما سمعه من طرف السيد وكيل الملك من كوننا اعْتُقِالنا منذ يومين فقط عند مشاركتنا في مظاهرات غير قانونية ،و الحال أنه رافقنا طيلة مدة اعتقالنا القسري ، و كان يُطمئننا طيلة فترة إيقافنا، قائلا :
” مَا دِيرْشِي مَا تْخَافْشِي ” أي : إن لم تفعل شيئا فلا تخف.
ظل ذلك الحارس مصدوما و يردد بين الفينة و الأخرى همهمات غير مفهومة ،و كأنه يهذي .
إلا أن مضمونها كان ،هو أنه و جيله انتموا إلى جيش التحرير و حاربوا و جاهدوا من أجل طرد المستعمر و الحصول على الاستقلال و بناء دولة ديمقراطية تحترم فيها حرية الأفراد و كرامتهم .
لكن ما وقع و ما كان شاهدا عليه لمدة ليست بالقصيرة و هو حارس لنا ، يعتبره إجهاض لحمله و حلم جيله .
عندما كان برفقة رجال أمن آخرين بصدد تسليم المعتقلين لإدارة السجن ،اغرورقت عيناه بالدموع و عانق كل واحد منا و هو يودعنا ، و يردد : ” لا ، هذا ظلم ” .
عادت حافلة الشرطة من حيث أتت، وظل الحاج مطلا من احد نوافذها ، و رافعا يده مُحَيِّياَ المعتقلين إلى أن اختفى .