– زكرياء الساحلي:
الجزء الأول بعنوان: رحلة كامو ودالي إلى القصر العالي.
الفصل الأول المشتمل على أخبار الرائحة والخراب، وما وقع فيه من غرائب العباد وأعاجيب البلاد.
(باروديا أدبية)
.
سمع فيلسوف التمرد والعبثية الفرنسي “ألبير كامو” أن في المغرب الأقصى مدينة تسمى بالقصر الكبير، هي تضاهي في غرابتها مدن الأساطير، وتتمرد على المنطق، وتعاند التنظيم، فهاتف صاحبه السريالي الفنان الإسباني”دالي سلفادور” وأخبره بما شاع عن حالها وأحوال سكانها، فاتفقا على زيارتها وأن ينعما من عبثها يوما من صيف عام خمسة وعشرين بعد الألفين.
ركبا القطار القادم من طنجة، وما إن بلغ بهما إلى “الريصانة” حتى توقف فجأة، فظنا أن عطلا أصابه، أو أن القدر حبس أنفاسه، وإذ بجحافل المراهقين ينزلون دفعة واحدة، وينتشرون في الحقول كأنها مائدة، فغزو البطيخ والسويهلة والخيار، ثم عادوا إلى مقصوراتهم بافتخار.
تساءلا عن السبب فقيل لهما:
انهم قصراوة، يوقفون القطار بتفعيل زر الطوارئ ، فينهبون الخضر والفواكه كأنهم غزاة بلا قائد، ولا يفعلون ذلك بسبب الجوع والفاقة، وإنما تسلية ولهو ورشاقة.
ابتهج ألبير ودالي بما سمعا، وحسباها أولى كرامات القصراويين، وما أن خطوا أول خطوة على هذه الأرض المقدسة، حتى لامست أنوفهما رائحة كيميائية خانقة، عبارة عن مزيج من غاز الأمونيا وكلوريد الصوديوم، فظنا أن المدينة تستحم في مرحاض عملاق مليئ بالخراء، حيث كانت الرائحة الكريهة تلسع الأعين، وتسيل الدموع من المآقي، بينما سكان القصر الكبير غير عابئين بها و”يتسركلون” في شوارعها كأنهم يتنزهون في رياض العشاق بين الزهور والورود والأحباق.
قال دالي وهو يسعل:
هذه ليست رائحة مدينة، إنها استعارة وجودية للخراء نفسه وقد قرر أن يتجسد هواءً.
ضحك ألبير بعد أن وضع يده على أنفه.
بل إنها عطر عبثي، سأسميه كولونيا eau de ksar
ساقهما العبث يسارا نحو وسط المدينة (الحمد لله ما وليا وجهيهما نحو لولاد احميد) وعلى الطريق أبصرا الأحصنة تجر العربات المحملة بالناس والبضائع والسلع تجري ذهابا وايابا، فظنا أن القصر الكبير تحافظ على طابعها الموريسكي ولم تبدل عاداتها منذ القرن السادس عشر، وما بقاء هذه العربات المجرورة إلى يومنا هذا الا تجسيدا لهذه الإرادة الثقافية الحرة.
حين دخلا إلى الشارع الرئيسي، وجدا الغبار يتطاير في السماء، والأرض محفورة حفرا عميقة، كأن المدينة تعرضت للقصف من طائرة مجهولة.
قال كامو بدهشة:
من قصف القصر الكبير؟ هل فعلها ترامب اللعين!
رد عليه أحد المارة بعد أن رمى أزباله على الأرض:
لا يا أستاذ، بل هي البلدية، حفرت الأرض وقلعت الزليج القديم، فلما وضعت الجديد اتضح أنه أسوء من القديم.
رد عليه ألبير باستغراب:
وماذا فعلوا بعد ذلك؟
فأجاب رجل آخر مر بالصدفة من قربهم، إذ من عادة قصراوة التدخل في نقاشات الشارع وإن كانت لا تخصهم:
أخاي ديالي راه دابا كاين الانتخابات فالفيسبوك كل مترشح حط نوع دالزليج وكيطلب نصوتوا على أفضل نوع.
وإذ أحسا بالجوع الشديد، فأرشدهما الناس إلى أقرب مطعم، فأكلا كسكروطين بالتون، ثم صب لهما صاحب المطعم كوبين من اللبن الحامض وقال بفخر:
لا كسكروط بلا لبن، وهو منا مجاني بلا ثمن.
وما ان فرغا من شرب اللبن الحامض، حتى سالت دموعهما من شدة الفرح، فقال دالي وهو يمسح لحيته المشذبة:
لقد فهمت الآن يا صديقي، الطعام هنا ليس لسد الجوع فقط، بل هو تجربة وجودية لا تضاهيها المطابخ الأوربية.
أجاب صاحب المطعم باعتزاز.
كاسكروط بلا لبن كي بحال القصراوي بلا جمعية.
يتبع