كلية العلوم القانونية والسياسية بالقصر الكبير… حكاية ميلاد بشهادة من التاريخ.

29 يوليو 2025
Oplus_131072

بقلم : ذ . إلياس طلحة

في سياق “الكلية المتعددة التخصصات بالقصر الكبير”، التي تم تغيير اسمها إلى “كلية العلوم القانونية والسياسية بالقصر الكبير”، سأتحدث في هذا الموضوع على ثلاثة أجزاء، سأقدم في الجزء الأول والثاني شهادة حق عن ما عشته وشاهدته في سياق إحداث هذه الكلية، بينما أتولى في الجزء الثالث الرد على بعض المغالطات والمواقف وردود الأفعال الناتجة عن هذه الكلية.

أنا شاهد على العصر، شاهد على مرحلة مفصلية من تاريخ مدينة القصر الكبير، حين بدأ حلم الكلية يتشكّل، لا من فراغ، بل من وجعٍ حقيقي كان يعيشه مئات الطلبة مع التنقل اليومي، ومعاناة البحث عن فرصة للتعليم العالي قريبة من أهلهم وبيئتهم.

كان الحاج السيمو هو من بادر، وغرس أول بذرة لهذا المشروع، حين طالب بإحداث ملحقة جامعية تابعة للكلية المتعددة التخصصات بالعرائش داخل مدينة القصر الكبير، كخطوة أولى نحو تحقيق العدالة المجالية والإنصاف الترابي.

في تلك المرحلة، كان السيد محمد حصاد وزيرًا للتربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور حذيفة أمزيان رئيسًا لجامعة عبد المالك السعدي، والدكتور بوشتى المومني عميدًا للكلية المتعددة التخصصات بالعرائش، وتمت برمجة زيارة ميدانية رسمية للجنة وزارية إلى مرفق “دار الطالب” بالقصر الكبير، الذي كانت الجماعة قد عبّرت عن استعدادها لتسليمه للجامعة، ليكون مقرًا للملحقة الجامعية، التي أصبحت اليوم واقعًا قائمًا.

وأتذكر جيدًا، أنه خلال تلك الزيارة، أبدى كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي آنذاك، الأستاذ خالد الصمدي، تحفظات واضحة، ربما لأسباب تقنية، وربما كذلك لأسباب سياسية، في ما بدا لي محاولة أنيقة لتقويض المشروع، كما أن الدكتور حذيفة أمزيان، رئيس الجامعة آنذاك، عبّر هو الآخر عن رفضه، وبدأ يشرح للوزير باللغة الفرنسية دواعي عدم إمكانية إحداث الملحقة الجامعية بمدينة القصر الكبير.

في تلك اللحظة، تدخّل الحاج السيمو قائلاً، بكل احترام ولكن بحزم:
“السيد الرئيس، واش ممكن تشرح لينا بالعربية؟”

كان لهذا التدخل أثر واضح، إذ تولّى الوزير محمد حصاد بنفسه شرح ما قاله رئيس الجامعة، ثم ختم تدخله بكلمة فاصلة:
“نوافق على إحداث ملحقة جامعية بالقصر الكبير.”

وفي اليوم نفسه، انتقلت اللجنة الوزارية إلى العقار المتواجد بطريق العرائش، الذي كان الحاج السيمو قد خصّصه ليكون مقرًا مستقبليًا للكلية، وقد هيّأ كل الظروف الفنية والمؤسساتية لإقناع الوزير، وهو ما تحقق فعلا.

لكن اللحظة التي ستبقى محفورة في ذاكرتي، هي تلك التي تلت الزيارة الرسمية.
فبما أن الوزير حصاد كان عضوًا بالمكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، فقد استغل الحاج السيمو تواجد حصاد في هذه الزيارة، وأقام نشاطًا حزبيا في نفس اليوم، وحينما أردنا مغادرة المكان، رفض الوزير أن يذهب في سيارة الوزارة إلى نشاط حزبي، فركب سيارة خاصة لأحد الحاضربن، وهنا ناداني الحاج السيمو بعفويته:
“طلحة، طلحة، طلع… طلع اصاحبي!”
لم أفهم في البداية، لكن فجأة وجدت نفسي داخل سيارة واحدة مع وزير الداخلية السابق ووزير التربية الوطنية والتعليم العالي آنذاك.
وفي الطريق، استجمعت جرأتي وسألته، أمام الحاج:
“السيد الوزير، كيف هي علاقة الحاج السيمو بالمسؤولين الحكوميين؟”
فأجابني بجملة لن أنساها:
“السي السيمو اللي طلبها فالرباط ديالو.”
فاستفسرته:
“علاش زعما عندو هاد الحظوة؟”
فأجابني الوزير بجملة صريحة:
“السي السيمو من النوع اللي كيتعب الوزير بالاصرار ديالو، ولكن كيعطي النتائج تبارك الله عليه.”

كانت كلمات الوزير لي، شهادة ضمنية قوية، ليس فقط على المسار النضالي للحاج السيمو، بل على نمط من الفاعلين الترابيين، الذين لا يملكون أحيانًا سوى الإلحاح، والمتابعة، والصدق في النية، وسلاح الإصرار.

وبعد أيام قليلة من تلك الزيارة، غادر محمد حصاد الوزارة، ليُعوضه الوزير سعيد أمزازي، والي أكادير الآن، الذي فتح صفحة جديدة في مسار الكلية، وأكمل المشوار بروح إيجابية وتعاون مؤسساتي كبير.
وهنا تبدأ مرحلة جديدة، سأتحدث عنها في الجزء الثاني من هذه الشهادة، إن شاء الله.
هذه شهادة حق، أقدّمها أمام الله عزّ وجلّ، لا بدافع التحيّز ولا المبالغة، وإنما نابعة من واجب الأمانة تجاه لحظة تاريخية عشتها وكنت شاهدًا مباشرًا على تفاصيلها.
أتمنّى من كل من يقرأ هذه الشهادة أن لا يتناولها بخلفية خصومية أو نية عدائية، وألا يحملها على غير معناها.
فهي ليست بلاغًا سياسيا، ولا دفاعًا عن أحد، بل مجرّد شهادة حق صادقة، أدوّنها كما عشتها، وكما وقعت، لا أطلب من أحد أن يُسلّم بها، ولكن أشكر كل من قرأها بحسن نية، ومن لم يُصدّقها فله واسع النظر، ويكفيه أن يتجاهلها.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading