فضيلة الحوار و الاختلاف .

21 أبريل 2025
Oplus_131072

ذ . ادريس حيدر :

لقد كبرتُ و ترعرعتُ في حضن اليسار ، حيث نهلتُ – كغيري من مناضليه – كثيرا من القيم ، من مخزونه الفكري و النظري و من ممارساته الفضلى .
و من المعلوم أن كل التنظيمات السياسية في المغرب و العالم كانت اليسار قد اجتاحها و احتلها لزمن غير يسير ، كما ارتقى إلى ركح السياسة في كل أرجاء المعمور تنظيرا و ممارسة .
و كان بروزه ، قد بدأ عقب الحرب العالمية الثانية . لكن زمنه المضيء ، كان في السبعينات و الثمانينيات من القرن الماضي .
و كان العالم أنذاك يشهد صراعا بين القطبين العالميين : الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحادي السوفياتي( المنهار ) ، و انعكس بشكل قوي على حركات تحرر الشعوب من الاستعمار و كذا اندحار أمريكا في :” الفيتنام”.
و صاحب ذلك صراعات و حروب في كل أرجاء الكون ، و التي كان أغلبها من تجليات ذلك الصراع الذي كان قائما أنذاك بين القوتين العظميتين .
و في وطننا كانت الصراعات ذات طبيعة طبقية ، و محتدمة بين القطب اليساري بكل تنظيماته و تمظهراته و بين النظام الحاكم ذو التوجه اليميني و المتحالف داخليا مع الإقطاع و الكومبرادور و اليمن المتطرف و خارجيا مع القوى الغربية الاستعمارية .
و كانت تتخلل المشهد السياسي صراعات حادة و مناقشات سياسية و نظرية غير منتهية .
و ما كان يثير الانتباه و يُلْفِتُ النظر ، هو أن التنظيمات اليسارية كانت عبارة عن مشتل لكفاءات فكرية و معرفية .
و في تلك الأجواء المحمومة ، كانت تطفو على السطح بين الفينة و الأخرى بعض الممارسات الغير السليمة ، مثل : الإقصاء، الإرهاب ، التعصب …الخ بل و نعت الآخر المختلف بنعوت و صفات تحقيرية ، و اتهامه أحيانا بالتواطئ ، الخيانة ، الوشاية ، الإبلاغ …الخ .
تلت هذه المرحلة بروز الحركات ذات المرجعية الإسلاموية على الساحة السياسية و الاجتماعية ( الكليات ، الشواطئ ، المظاهرات …الخ ) ، نظرا لظروف متعددة ، ليس هذا الحيز مجالا للتطرق لها .
و لم تكن الممارسة بداخلها تقل عن تلك التي كانت تمور في حضن اليسار ، بل كانت أكثر عنفا و إرهابا و فاشيتية ، و استعمل السلاح من أجل تصفية و قتل أعلام وازنة و مناضلة فقط لكونها آمنت و اقتنعت ، أنها تهددها من حيث قوة التفكير و التنظير و الإقناع و الفعل النضالي ( عمر بنجلون) و بالتالي التقت تخطيطاتها و مؤامراتها مع مخططات الحكم المستبد .
يقينا أن مناضلي التنظيمات المشار إليها أعلاه ، و خاصة اليسارية ، قدمت تضحيات جلى تمثلت في : الاستشهاد ، التصفية الجسدية ، الزج بهم في السجون ، التعذيب ، الطرد من العمل و التجويع …الخ .غير أن من بين النقائص داخل البعض منها ، أنه تم وأد الممارسة الديمقراطية و حرية التعبير .
و بذلك تعطلت آليات : الحوار ، الاختلاف ، حرية الرأي …الخ .
و بانحباس الفعل السياسي في البلاد و تآكل بعض التنظيمات اليسارية و عجزها عن الإجابة عن سؤال محوري ، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، ألا و هو :
ما العمل ؟
قررتُ على إثر ذلك ولوج المشهد الحقوقي و الاشتغال فيه ، و اخترتُ الانضمام إلى منظمة العفو الدولية – فرع المغرب- .
و في هذا التنظيم الكوني ، تعلَّمْتُ ما لم أَكُنْ أعلم ، و ذلك كما يلي :
– التعبير عن الرأي بكل حرية و بهدوء و احترام الآخر ، تنزيلا لمقولة :” افتح فاك”
– الإيمان بأن المرء لا يملك الحقيقة المطلقة ، و أن الآخر يحوز ربما جزء أساسيا منها .
– الاختلاف الرحيم ، الذي يغني الفعل الحقوقي .
– تقديم وجهات النظر أو التدخلات بعقلانية و بأهداف دون الإطالة غير المفيدة و المُنْهِكة .
– احترام الآخر و عدم التشويش على قناعاته المعبر عنها .
– احترام الزمن و تدبيره بشكل جيد و الانضباط له .
– الوداعة و الرقي في الممارسة بُغْية تَجْوِيدها .
اكتشفتُ ، إذن ، أن هذه المسلكيات و غيرها ، هي عماد التقدم و التطور في كل المجالات .
و تأسيسا على ما سبق أُجْزِمُ بأن فضيلة الحوار و ممارسة الاختلاف الرحيم ، يُجنبُ الديمقراطية مطبات سلبية ، و يساهم في تقويتها و تكريس قيم مُثلى و فُضْلى .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading