
د: مصطفى الغرافي
نذكر الطفولة فنذكر مقاعد الدراسة وفضاءاتها المحببة واللذيذة، فذكريات الدراسة تظل راسخة في القلب وموشومة في الذاكرة لا يزيدها مرور الأيام والأعوام إلا ثباتا ورسوخا. كانت الثانوية المحمدية بالقصر الكبير في وقتنا زاهية بأساتذتها الجادين وطلابها النابهين. درس فيها وتخرج منها كثير من العلماء والمبدعين الذين أصبح لهم فيما بعد صيت كبير في المجالات التي تخصصوا فيها وأبانوا عن تفوقهم فيها وعلو كعبهم. وقد كان كل من ينتسب إلى الثانوية المحمدية يستحضر هؤلاء الأسلاف ويترسم سيرتهم ويحاول أن يكون مثلهم ويبذل من أجل ذلك كل جهده لتحقيق هذه الغاية.
كانت أيام الدراسة بالثانوية المحمدية كلها أعيادا بالنسبة إليّ. كنا مجموعة من التلاميذ المحظوظين الذين وقع عليهم الاختيار لمتابعة دراستهم في قسم نموذجي تخصص لغة إنجليزية. ومن الطبيعي أن يكون التنافس بين تلاميذ هذا القسم على أشده، لأن جميعهم كان يتوفر على مستوى عال ويطمح إلى الحصول على نتائج جيدة. التحقت بهذا القسم لأنني كنت أرغب بشدة في إتقان اللغة الإنجليزية حتى أتمكن من قراءة الأعمال الأدبية بلغتها الأصلية. ولذلك أقبلت على دروس الإنجليزية بكثير من الحماس. ومن الذكريات التي لا أنساها اليوم الذي حصلت فيه على نقطة 20 في اللغة الإنجليزية. كان يوما مشهودا في الحقيقة. ولا زلت أشعر بكثير من الفخر والرضا عن الذات كلما التقيت أحد أساتذتي الذين أشرفوا على تكويني في اللغة الإنجليزية، فيحدثني عن ذكريات تلك الفترة، فنتتذكر معا الأحداث وأسماء التلاميذ الذين لا زلت على علاقة طيبة بكثير منهم إلى اليوم.
ذكريات الطفولة والشباب هي أجمل ما قد يحدث لنا. ولذلك نحملها معنا ونعيش عليها طيلة عمرنا. ويظل المكان الذي شهد هذه الذكريات وكان شاهدا عليها أجمل الأمكنة وأقربها إلى القلب مثله في ذلك مثل الحبيب الأول الذي سنظل نحن إليه ونمجد ذكراه مهما فرقتنا الأيام والمسافات. وقد كان القصر الكبير بالنسبة إلي وسيظل دائما هو المكان الأول والحبيب الأول.