
د . عبد السلام دخان :
” الحياة الفضلى تعاش” هذا النظر الفلسفي العميق لسليل مدرسة فرانكفورت هانز جورج غادمير Hans-Georg Gadamer يحيلني إلى مقولة” نسيان الوجود” لمارتن هايدغر Martin Heidegger. غير أن تحقيق الإدراك التدريجي للحياة يرتبط- في تقديري- بتاريخ الذات كجزء من حضورها في المكان. لا يوجد حضور كلي ومتطابق، مثلما لا يمكن أن نجد بدايات لتعلقنا بهذا المكان أو غيره.
فعالية الحياة توجه الذات نحو تعالقات عاطفية خفية بالمكان، بيد أن الحياة نفسها مهددة بغزو النسيان وتبديد أثر المكان. ربما نحتاج الى محكيات تشغل نفسها بمهام مواجهة مايهدد احتمالات الحياة، بعد نزع السحر والجلال عن العالم تبعا لرؤية ماكس Max Weber.
بلا شك لا وجود لرؤى دقيقة وشاملة للحياة ولاحتمالاتها الملتبسة، غير أن هذا الأمر لا يجعل الإنسان يقف محايدا، فالأساس ليس هو الوعي بهذا الحضور فحسب، بل الانخراط فيه أنساقه وتعالقاته النفسية والأخلاقية والاجتماعية.
أصفاد الوعي تجعل إدراك المكان مشوشا، لأنه الأكثر دهشة وحميمية وقطيعة، وألما( نوستالجيا)في الآن نفسه. لا يرتبط الأمر بما وصفه أرسطو ب” شيئية الشيء” بل بالأثر الإنساني للمكان بوصفها تحققا انطولوجيا. حقا كان غاستون باشلار Gaston Bachelard صادقا في رصده لجاذبية المكان وابعاده، وربما لهذه الأسباب إنحاز باشلار إلى الشعر بوصفه إمكانية تعبيرية رفيعة قادرة على كشف الأبعاد الظاهراتية للمكان وجمالياته الفاتنة.