
عبد الرؤوف الزكري :
الأسر العريقة : عبارة حملتها الكثير من النصوص القرائية، وكانت كافية لتثير حقدنا نحن أبناء الفقراء، اتجاه نقيضنا الطبقي. وذلك لاعتقادنا، أن العراقة الاجتماعية، تتماهى والثراء الاقتصادي الذي أوهمونا أنه يحصل بالطرق غير المشروعة: ” شح أو حرام”، هذه الصورة النمطية التي حقن بها شعورنا و لا شعورنا، غذتها تلك الصور المصاحبة للنص، لأطفال يمتلكون غرفا مؤثثة بسرير ومكتب وخزانة، يقضون عطلهم في المنتزهات المتنوعة حسب الفصول، للأب مركبة خاصة، تغنيهم عن التزاحم و التسابق على وسائل النقل العمومية، هكذا.
لكن الوجه الآخر للعراقة أو الأصالة، طافح بالقيم الرمزية، المتمثلة أساسا، في نزعة الآباء إلى المحافظة على التماسك الأسري، والرغبة في العيش المشترك في إطار أسر ممتدة، رفقا بالضعيف والصغير، وتوقيرا للكبير، ليس سنا فقط، وإنما علما وحكمة، تجعله الملجأ في حل النزاعات، بما امتلك من قدرة على التأليف بين القلوب، ونبذ الفرقة والاختلاف، وتسخير كل الإمكانيات المادية في سبيل الحفاظ على بيضة الأسرة.
هي قيم لم نتبه إليها، إلا بعدما ذقنا مرارة العيش في إطار الأسر النووية الضيقة، المغذية للفردانية والأنانية. وقد أصبحت الدراسات العلمية تترى، منبهة إلى أهمية نمط العيش الأول، وتهافت الثاني، هذا الأخير الذي اعتبر من أهم أسباب صمود الشعب الفلسطيني في غزة، حسب دراسة أشرف عليها فريق بحث علمي مجري، أشار إليها جاسم المطاوع في قناته.