ذ : إدريس حيدر
كنت من بين تلك الأجيال التي تعاقبت بعد استقلال البلاد ،و التي نُعِتَتْ أحيانا ب ” الأجيال المحبطة “.
كانت الأسر في الغالب ،كثيرة الأطفال، و كان أغلب الآباء أشخاص فقراء يمتهنون مهنا بسيطة : بناء ،جندي ،نساج، خياط ،دباغ، فلاح ،إسكافي…الخ .
لكن كان جلهم يقبلون على الحياة بنشاط و همة بالرغم من فقرهم و بؤسهم، بل و يعملون بإخلاص و تفان و كانت لهم مع ذلك إرادة قوية لبناء المغرب المستقل .
و فضلا عن ذلك كان التدافع و التنافس من أجل تكريس القيم الفضلى في المجتمع.
و الملفت للنظر هو إصرار الأباء على تعليم ابنائهم .
و كانت هذه الأجيال تدرس قليلا و تلهو كثيرا.
و أتذكر أن التلاميذ كانوا شبه عراة ،إلا من ملابس بسيطة و أحيانا كانت تُسْتعمل من طرف كل أطفال نفس الأسرة بالتناوب.
ثم كان أغلبهم يخرج من منازل أسرهم في الصباح الباكر ،و يقضون اليوم كله خارجه ،يلعبون كرة القدم ،يعدون في الأزقة، يقهقون بأعلى الأصوات و يأكلون كل شيء.
و في الليل يتجمعون في زوايا احياءهم بالقرب من منازلهم ،يلعبون لعبة القفز على بعضهم ( ساب سبوت ) ، و يختفون في أركان مختلفة من الحي و يتم البحث عنهم بغرض العثور عليهم أو على بعضهم (غميض البيض ) ،و تجمعم في حلقات ،حيث يروي كبارهم قصصا و حكايات و أُحجيات: ” عنترة بن شداد ” ،” سيف بن دون يزد ” …الخ.
و كان بعض الأطفال يغفو و هو يسمع للراوي ،بل و يدخل في سبات عميق .
و قد يتأخر البعض منهم في العودة للمنزل باكرا ،بسبب دخولهم للسينما أو لعبهم المفرط ، و تكون في الغالب في انتظارهم حصص من الضرب المبرح من طرف أباءهم، الذين كانوا يعتقدون ،بأن تأخر صغارهم ليلا خارج المنزل ،هو بداية انحراف أو جنوح ،و كذلك خوفا عليهم من بعض الوحوش البشرية الذين كانوا يترصدون الأطفال من أجل الإيقاع بهم و اغتصابهم.
يتبع…