ذ . إدريس حيدر
حضرت أخيرا إحدى الجنائز لأحد معارفي ،و أثار انتباهي ،أن المشيعين كانوا عند تقديمهم العزاء لابن الهالك الصغير السن و الذي لم يكن عمره يتجاوز 12 سنة ،يوجهون له الكلام قائلين:
” كن راجل ”
و من المعلوم أن هذه الجملة غالبا ما تكون محملة بمعاني: القوة ،الثبات ،النزاهة ، الشجاعة ، الإقدام ، القيادة…الخ
و لعل هذا المنطوق يفيد أن ” الراجل” ،أي ” الذكر ” هو قائد الأسرة و ضامن أمنها و سلامتها.
ففضلا عن كون هذه التعابير في مثل هذه المواقف و في سن الطفل المكلوم غير مستحبة ،فإنها تُحيل على مضامين الثقافة الشعبية و التي هي تجسيد لنمط المجتمع ، و الذي هو ” أبيسي” بامتياز .
و من المعلوم أن كثيرا من الأقوال و الأمثال في المجتمعات الغير القارئة تعتبر مصدرا للمعرفة .
كما أنها تحيل أيضا، على النموذج ” البطريركي ” الذي هو نظام أبوي / ذكوري .
و هو تنظيم اجتماعي يتميز بسيادة الرجل / الذكر / الرئيس ، و تبعية النساء و الذرية بما فيها التبعية القانونية ، و هو ما اصطلح عليه – طبعا – بالنظام ” الأبيسي” .
بعد هذه اللقطة ،تساءلت :
لماذا تغيب المرأة في مثل هذه الأقوال؟
أو لماذا لايُطْلَبُ من الأطفال أن يُشْبِهوا لأمهاتهم؟
أو لم يحن الأوان لتغيير لغة الكلام / الخطاب ؟
إن الجميع يعلم أن أغلب النساء يقدمن لأسرهن ، ما لا يمكن أحيانا تصوره : حضانة الأطفال، السهر على تربيتهم و تنشاتهم و رعايتهم ، العمل من أجل إعالتهم في ظروف صعبة ( الحقول ،المصانع ، المنازل …الخ ) ،إعداد الطعام لأفراد الأسرة، تنظيف و تكنيس المنزل العائلي …الخ ، فضلا عن مشاركة الرجل في احتضان القضايا الوطنية و الكونية الكبرى …الخ .
بل إن ما تقوم به المرأة اتجاه عائلتها و البلاد لن يستطيع الرجل في الغالب الإيفاء به .
لذلك آن الأوان ،لنغير مفاهيمها، أقوالها و خطاباتنا التي تُغَيِّبُ المرأة، و لا تنصفها قانونا و واقعا.
كما أنه حان الوقت ،لنقدم : الام – البنت – الزوجة – و الأخت و باقي النساء كنماذج يُقْتَدى بها ، و تاريخ بلادنا غني بهذا النوع من السيدات اللائي لعبن ادوار ريادية و قيادية في حقب تاريخية و في محطات و منعطفات فارقة و حاسمة .
صورة : زينب النفزاوية
زوجة ” يوسف بن تاشفين “.