د . مصطفى الغرافي
اكتشفت القرآن العظيم في مرحلة مبكرة من طفولتي باعتباره نصا مدهشا، من حيث استخدام وسائل الأداء التعبيري على نحو خارق، يملك عليك نفسك ووجدانك، فشرعت في حفظ كثير من السور . والغريب أني لم ألتفت لقصار السور، بل شرعت مباشرة في التهام “الطوال”. لقد استبدت بي السور التي تتضمن خطاب السرد مما جعلني أخصها بكثير من وقتي واهتمامي، فحفظت كثيرا منها مثل ص ومريم وطه والبقرة ويوسف وآل عمران (وكما حفظتها على ظهر قلب نسيت كثيرا منها على ظهر قلب كذلك). كنت أحفظ من غير تقيد بترتيب السور في المصحف. لا أبتغي سوى إرضاء حاجتي إلى المتعة الجمالية من خلال هذا النص المعجز والخالد، الذي مثل بالنسبة إلي، في هذه المرحلة من عمري، “كنزا” اكتشفته مبكرا، فإذا به يأسرني ويملأ علي نفسي ووجداني، بما خلق لدي من شعور تمتزج فيه الدهشة والرعشة. لم يكن القرآن يمثل لي في هذه المرحلة سوى فيض جمالي أخاذ لا ينضب ولا يتوقف. وبعد أن تقدمت بي السن قرأت عديدا من الكتب المصنفة في البلاغة الإعجازية بغية الوقوف على جوانب ثرة وخصيبة من “أسرار البلاغة” و”دلائل الاعجاز” في هذا الكتاب العظيم، الذي مثل بالنسبة إلى كثير من الكتاب والأدباء مصدر إلهام لا ينضب نبعه، ولا ينقطع وحيه…