د .. عز الدين ابراهيمي
بعد يوم مرهق في مينيابوليس، أستعد لصعود الطائرة العائدة لنيويورك… فلا أنتبه كثيرا لمحيطي… و لا أكترث بالمسافرين من حولي و لا من يكونون …و لكن بغتة يتراءى لي و يشد انتباهي وجه مألوف… يخيل لي أني أعرفه… أتمعن في هذا الوجه الصارم الذي هو كما عهدته… و أفرك عيني بيدي المرتعدة لأتأكد من حدسي… ووجدتني أردد… لا لا… لا ماشي هو… و أحاول أن أعتصر دماغي من آجل إفلات اسمه من زنازين النسيان… حاولت مرارا و لم أستطع نبس و لو حرف من إسمه… و بعد فشل متكرر و محبط، لملمت كل قواي و قصدت هذا الشخص ذو الملامح الهندية… نعم يجب أن أتأكد من هويته… من أجلي و من أجل الالاف من المغاربة… و خصوصا كل الصنايعية و الحرفيين الذين يعشقونه… ولتذهب أنفتي و عزة نفسي للجحيم… فأقترب منه و أسأله بعفوية مصطنعة… سيدي هل أنت الممثل الهندي المشهور… فيجيب بابتسامة عريضة… نعم … أنا أميتاب باشان… فأجبت مازحا ” لا أصحابي فأنت” العايل ديال الخاتومة”… لم يفقه شيئا مما قلت … فسألني… “ويراريو فروم”… أجبت بسرعة… من المغرب سيدي و من القصر الكبير بالتحديد… نظر إلي باستغراب متمتما… و هل سبق للمغاربة أن شاهدوا أفلامي… نظرت إليه واثقا و بنبرة مستهزئة مجيبا … كل أفلامك سيدي… و زايدت… و كذلك أفلام شيشي كابور و شيمي كابور و درامندرا… كذلك هيما ماليني التي مازلت أعشقها إلى اليوم… يسعد كثيرا بهذا… و يسائلني… و هل كنتم تفهمون ما أقول… فأجبته … بالفعل فنحن لا نحتاج إلى ذلك و لا لقراءة الترجمة، سيدي… فنحن كنا نعيش أفلامك… و أوضحت له أني و صديقي العياشي، كنا نتبادل أدوارك… فيكون هو مول الخاتومة في الصباح و أتبادل الدور معه في المساء… و كنا نعيد المشاهد كلها… و لعلمك سيدي فقد كنا نوقف الطراح “حبي ” و هو يحمل العشرات من وصلات الخبز فوق رأسه ليغني أحد أغنياتك سيدي…
فانبهر “الكافر بالله”… و هنا أخذت دور البطولة منه و قررت أن أتقاسمها أنا و خاي العياشي… و ليذهب أميتاب إلى الجحيم… و هكذا استمرت في السرد غير أبه به… سائلا…
الفصل الثاني (2/3)
هل تعرف سيدي أنني و صديقي العياشي كنا نستيقظ كل صباح من أيام شهر يوليوز و غشت ننتظر في المحطة الطرقية الغير المسيجة… ننتظر وصول الافلام من سينمات العرائش… و نحن نلعن كل العرايشيين الذين يتمتعون بأفلامك قبلنا… و في انتظار وصول حافلة السدراوي… كنا نناقش هذا الموضوع الجيوسياسي و نحن نخطط على الزفت الذائب تحت الشمس القصرية اللاسعة… و نتكتك ليوم طويل… و أخيرا تصل خنشة الافلام… نسرع الخطى محاولين التعرف على فيلم العشية … فننهر كالجراء المجروبة … فنغير الخطة و نتوجه رئسا صوب سينيما… السويقة أو بيريس كالدوس…
و لكنهم “ولاد الحرام” يمعنون في تعذيبنا فلا يسمحون لنا برؤية البارتليس… و لكننا و العياشي البطل لا نقهر…. فنسرع الخطى إلى البلاسا… حيث تعرض السينمات الثلاث (أسطوريا و المنصور و السويقة) بضاعة المساء… يا الله… السويقة تعرض فيلما لك يا أميتاب… يسألني عنوان الفيلم… فأجيبه لا يهم العنوان الذي تعطونه للفيلم فنحن سنتكلف بإعطائه اسم العايل د الخاتومة… و ” مالك”… لقد مثلت الفيلم و انتهى دورك و حتى أكون منصفا سنعيدك للبطولة في المساء عند عرض الفيلم…. إلى ذلك الحين، فالعياشي و أنا هما البطلين و علينا أن “ندبر” في 40 سنتيم حتى نتمكن من شراء تذاكر الدخول… أنت مثلت و ذهبت لحال سبيلك… بينما علينا نحن أن نناضل طيلة هذا اليوم… سامحك الله… أرفض أن أطلعك على كيفية حصولنا على 4 ديال البسيطات… فكل الطرق المشروعة يجب سلكها من لعب “البولات” إلى الكرة… و “رغيب الوالدين” و كل من له صلة رحم بنا… و غالبا ما تنتهي عملية جمع “الأموال” مع أخر شدق من الغذاء… فإلى السويقة إذن… و مرحبا بعذاب الحصول على التذكرة… هنا تأخذ عبارة “قانون الغاب” كل معناها… أمام الشباك الوحيد للسينما غابة من الأجسام تتعارك بالأيادي و فوقها أرجل تفرك الرؤوس… و فجأة يتراءى الجندي الذي يخلع “سمطته و يجلد كل الجمهور بالبزيم … فيختلي بالشباك و يأخذ تذاكره بكل أريحية دون تدخل من رجال أمن المفوضية المتواجدين قبالة السينما… هنا تعرفت على مفهوم فصل السلط… نعم… فإذا أكلت سلخة يدي جندي… فهذا لا يعني تمنيعك من سلخة بوليسية… فالكل يسخر سلطاته الخاصة للحصول على التذكرة دون تدخل من السلطة الاخرى… و أخيرا يخرج العياشي من تحت ركام الأيدي و الرؤوس و الأرجل زاحفا بتذكرتين… وا فرحتاه… و أنا أمسح عن رأسه و وجهه أثار المعركة… أقبله كما لم أقبل أبوي و إخوتي قط… العياشي هو البطل لست أنت يا أميتاب… أضمد جراحه و نسترجع أنفاسنا و جأشة ربطنا و نذهب إلى باب الخينينار-العموم… و ندخل إلى الجنة… يا الله… يا الله… كم أنت كريم…
الفصل الثالث (3/3)
كم أنت جميلة في مخيلتي اليوم… يا سينما السويقة… تتراءى لي الشاشة الكبيرة التي بدأ الزمان يأخذ من بياضها… أه… كم أشتاق لذلك الضجيج و الجلبة و العجيج… و الصداع و العويل… صورة جميلة للحياة… كم أشتاق لرائحة الدخان و الحشيش الممزوج بعرق الصبيان و روائح أخرى… و كم هو مقيت هذا السور العازل الذي يفرقنا عن “بوتاكا” و “بريفيرنسيا”… و يفرض علينا الجلوس قرب الشاشة على المقاعد اللوحية في “خنينار”… عرفت يومها أنني من العامة… فقبلت ذلك و أخذت قرارا لا إرادي بحب الشعب و أن أكون مع “شعيبة”… و يجب أن تناضل للوصول إلى الجهة الاخرى… فمع إطفاء الاضواء و التصفيقات الحارة… تبدأ عملية تسلق الجدار… و لكن للأسف ما تبتدأ بالتسلق حتى تسلط عليك أضواء “البيلات” و سجائر و لعنات “البورجوازية المتعفنة” المستمتعين بالكراسي و التي ترفض أن تشارك في رفاهيتها مع شعيبة… و لكن وصولك للسور يسمح لك بالقفز على جمهور الخنينار و بفتح فسحة بين الاجسام… فتستعمل بعدها مؤخرتك لفسح مكان مريح تمكنك من الابتعاد من الشاشة و مشاهدة مريحة… أعانق العياشي بعد نجاح المهمة و نستعد للتمتع بفيلمك يا أميتاب… عفوا… لا… لقد نسيت يجب أن نخلع ملابسنا حتى لا تتشبع بالروائح السنيمائية التي ستوشي بنا للعائلة.. و هكذا و ك”أولتراز” قبل الأوان… عرايا كنا نستمتع بأفلامك و “بونياتك” و نراك فينا… و كلنا فيك… نفرح معك و نتألم معك إلى حدود البكاء… و لكن ممنوع علينا الدموع… فنحن شعب “الخنينار” العرايا الجياع لا يحق لنا ذلك… تدمع قلوبنا ولكن نرفض أن تظهرها مقلنا… و رغم نهاية الفيلم نحاول ألا نبكي و نحن يقذف بنا خارج أسوار قصر “السويقة-الجنة”… إلى حين و إلى يوم أخر…
و إذا بي أرى في أعينك بطلي أمارات الـتأثر و لكن أرفض أن تذرف أي دمعة… و أنا أودعك بطلي اليوم… أودعك بحب كل الجماهير المغربية و خصوصا “الحريفية موالين الشقوفا”… أعدك أن نستمر و خاي العياشي في تذكرك و حمل ذكراك في مخيلتنا… لملمت نفسي و أدرت ظهري له و بدأت الدموع تنساب من عيني… لأنني حققت حلمي و حلم العياشي و الألاف من المغاربة… و لأنني حتما لن نلتقيك من جديد…
وداعا العايل د الرواية… أحبك…