Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

النار و حتمية التغيير. …….

24 يوليو 2022

ذة : سمية نخشى

احترقت قلوبنا مع سنابلهم ، و ما فتئ اللسان يلهج بذكر الله و الاستغاثة بألطافه….
الدخان المتصاعد في سماء المدينة، الضغط الجوي الذي انضاف لحرارة غير عادية و الذي كتم على أنفاسنا ، ذرات الرماد المتناثرة على أسطح المنازل ، كل هذا كان ينبئ بكارثة إنسانية تحل بمحيط مدينة حدائق التفاح الذهبي.
مع هشيم الحرائق اشتعلت العواطف الإنسانية و تأججت المادة الرمادية لجهاز عصبي ، بدأت تستسلم لغواية الكسل و الخمول ، لتتساءل عن رمزية النار و عن بعدها التاريخي:
فهل النار خلق، طهارة ام لعنة؟
ما اشتعلت النار الا و خلفت منعطفات في منحنيات التاريخ فاكتشافها مع الإنسان الحجري كان مرحلة انتقالية و مفصلية في تاريخ البشرية ، أعقبها تغيير شامل على كل مستويات نمط عيشه و طريقة تفكيره ، إذ شكلت مصدرا للضوء، للطاقة، للحرارة و الحماية و أيضا اداة للقتال، ليبدأ استغلالها تدريجيا في مختلف المجالات ، فكانت أساس تطور الحياة وصولا إلى ما نحن عليه الآن.
اما الاهتمام بها باعتبارها أصلا مكونا للطبيعة إلى جانب الماء، الهواء و التربة عند الفلاسفة الإغريق ، فكان ثورة معرفية نجحت في تغيير نظرة الإنسان للكون، للوجود و لذاته ، و حملته بعيدا عن هيمنة التفكير الأسطوري الذي كان يدين بكل صغيرة و كبيرة لإرادة الآلهة ( بمعناها الوثني) ، فأصبح أصل الكون والعالم حسب استدلالهم هو العناصر أو الاسطقسات الاربعة” الماء، الهواء، النار و التربة ” و كما استنتج هيروقليطس أن ” النار جوهر الوجود ”
الأديان و المعتقدات التي عرفها الإنسان كان لها أيضا رأي في النار بل لم تسلم من سطوتها و ظلت حبيسة تأثير سلطتها الوجدانية ، و قد استخدمت الشموع و المصابيح الزيتية في أماكن العبادة لدى الكثير من الطوائف ، خاصة عند ممارسة بعض الطقوس حيث اعتبرت النار بنورها دليلا على الخير في مواجهة ظلام الشر.،و كمثال على ذلك الديانة الهندوسية التي تعتبر النار واحدة من العناصر المقدسة ، كما أن أتباع زرادشت اعتبروا النار رمزا لوجود الله ، و لهذا يحرصون على دوام اشتعالها في معابدهم و تدعى بمعابد النار ، شأنهم في ذاك شأن الحضارة الفارسية التي قدستها.
حتى بالنسبة للديانات السماوية كاليهودية و المسيحية توقد الشموع في أماكن العبادة و ان كانت تتوعد المخطئين بالنار كأداة للعقاب .
استعملت النار أيضا لإحراق جثث الموتى عند الإغريق و عند الهندوس إيمانا منهم بخاصيتها التطهيرية، فهي تطهير للأرواح من دنس المادة و الخطيئة و هي المعبر لتناسخ الأرواح ( عند الهندوس).
الامبراطور نيرون ، حبا في روما احرقها، فقد امر بإشعال النيران ليتأتى له إعادة بنائها ، متجاوزا بذلك قرار منعه الصادر عن مجلس الشيوخ ، فإحراقها كان تطهيرا لها من الفقر و الفقراء كما الهمه جنونه.لكنه بعد ذلك مات منتحرا و ما ماتت روما.
في شمال افريقيا، لجأت الكاهنة ديهيا ، القائدة البربرية إلى حرب ” الأراضي المحترقة ” في مواجهة الفتح الإسلامي ، فكانت تشعل النيران ، تفتعل الحرائق في الأراضي الخصبة و اليانعة، و تبيد الخيرات التي اعتقدت انها من مطامعهم و ذلك سعيا منها لإبعادهم عن مملكتها .
خلال الأوبئة كانت النار دائما الوسيلة الأنجع للتعقيم، فتحرق جثث المرضى و مخلفاتهم من اغراض، ملابس و أفرشة.
النار إذن دفء ، تعقيم ، طهارة و لعنة حين تأتي على الأخضر و اليابس.
استشهادا بكل هذا ، هل يمكن أن تكون النيران التي التهمت و بنهم كبير خيرات مناطق الشمال مؤشرا لمرحلة جديدة قد تتجاوز الحصار المضروب عليها منذ زمن غير يسير ، و ضرورة ملحة للتفكير في كيفية تفعيل تنمية حقيقية لتلك المناطق النائية عن مجال اهتمام المسؤولين؟
ألا يمكن لهذه الحرائق ، و على قساوتها ، أن تحمل تغييرا لخريطة المشاريع التنموية المضربة عن هذه المناطق المنكوبة.
عادة ما يأتي التغيير مع الأحداث الكبرى، فهل نأمل خيرا و تغييرا ، أم نسلم و نستسلم لسياسة ترفض المصالحة مع مناطق مهمشة تم تجاهلها لعقود و عقود؟ ، ألم يئن الأوان بعد لتستعيد مدينة حدائق هسبريس مجدها و تحظى ب ” عمالة ” كمؤسسة تدبيرية ؟ ألم تكن آنذاك لتواجه مثل هذه الكوارث بشكل أسرع و أفضل؟.
هل هي لحظة مفصلية تعيشها مناطقنا المجاهدة ، الصامدة و المستميتة في مواجهة لعنة النيران و الحرائق؟ ألا يمكن تحويل هذه اللعنة لمصدر للتغيير و لبناء حقيقي لو سلمت النوايا ، و تجندت مختلف الفعاليات في مراكز القرار و التنفيذ ، و لو ارتقت أيضا سلوكيات المواطن الذي ينبغي أن يعي مخاطر الإهمال و العبث و الإستهتار بسلامة المكان و الإنسان.؟
ألا نأمل في انتظارات محتملة و ممكنة للنهوض بهذه البقعة من الوطن ، تنتصر على إرادة التهميش و التفقير
أخيرا ، أقول لأهالينا هناك : نشاطركم الحزن، الأسى و الترقب ، لكن الأمل قد ينبعث من الحرائق و من رماد هسبريس مثلما ينبعث طائر الفنيق من رماده
و لا يسعنا إلا ترتيل و تصديق قوله تعالى :” قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم .”صدق الله العظيم.

طنجة في 24\07\2022

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading