ذ : إدريس حيدر :
مناورتهن تبدأ من باب السجن ، حيث يحصلن على الموافقة بالمرور لزيارة أبنائهن، لعدد لا يستهان به من الاهل و الأصحاب، مرورا بتمرير الأطعمة اللذيذة التي كانت تحضر من طرفهن لأبنائهن و التي في الغالب كانت تعجبهم، وصولا إلى البقاء فترة طويلة في الزيارة .
لم تنحصر ممانعتهن في تصديهن للتجاوزات التي كانت تعترض سبيلهن في ردهات السجن ،بل كن ينظمن تظاهرات في بعض شوارع العاصمة ، مطالبات الجهات المسؤولة بالإفراج عن أبنائهن باعتبارهم سجناء رأي أو سياسيون .
و كن يُطاردن من طرف رجال الأمن في الأزقة، حيث كان يسقط البعض منهن ، نتيجة ارتباكهن و ترددهن أو بسبب عدم ممارستهم لذاك النوع من التمارين أو لتقدمهم في السن ، و كانت تبدو للمارة تلك المطاردات و كأنها لقطات لفيلم سينمائي .
كن يمارسن شغبهن و كأنهن فتيات صغيرات ، حيث كن يتركن ورائهن أحيانا ،لحافهن أو احذيتهن و يركضن في كل الاتجاهات و يبتعدن عن قوات الأمن، ثم يرجعن إلى مكانهن من جديد للتشويش عليهم و استفزازهم .
كان اعتقادهن جازم انهن يدافعن عن أبنائهن و قناعاتهم ، و انهن كن يعرين و يفضحن ممارسات النظام لدى الرأي العام الدولي و بذلك كن يساهمن في الضغط الدولي على الحكم من أجل إطلاق سراح أبنائهن. و أصبحت الصحافة الدولية تغطي معاركهن و تشبههن بأمهات ساحة مايو في الارجنتين ذوات المناديل البيضاء التي كانت تغطي رؤوسهن و كن يقفن في تلك الساحةللمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن الذين كان مصيرهم مجهولا في ظل نظام الجنرال السفاك ” فيديلا ” .
كان هذا الفعل التضامني و التآزي يولد غالبا في رحم المعاناة، و ينطلق دائما في قاعات المحاكم ، حيث كانت الامهات تحضرن لمتابعة محاكمة فلذات اكبادهن .
لم تكن اغلبهن تحفظ تلك الأناشيد الجميلة التي تعلن الولاء للوطن و القيم الكونية الفضلى و الخالدة ،بل كن يكتفين بالزغاريد ،فيما شباب التنظيمات السياسية يرددونها بقوة و حماس و إيمان .
لكن و مع مرورك الوقت و الحضور في كثير من المحطات المماثلة ،كان منسوب التعبئة يرتفع لديهن بفضل عملهن الدؤوب و الصادق.