ذ : إدريس حيدر
كان المزار ضيقا و مظلما إلا من خيوط شمس باهتة تخترقه أفقيا ، و في نفس الآن نتنا نتيجة أنفاس الزوار و رطوبة المكان و انعدام النظافة .
ولجته واُصِبْتُ بعمى لحظي نتيجة انتقالي من ساحة السجن المضاءة بشمس الصباح إلى ظلمة المزار.
لم اكن أرى أحدا، و بعد برهة و تكيف ذاتي مع المكان ، رمقت سيدة الكون أمي رحمها الله ، التي بمجرد أن رأتني كادت أن تكسر اسلاك الشبابيك التي تفصل عادة بين الزائر و المعتقل .
ابْتَسَمَت ابتسامة لازلت أتذكرها بين الفينة و الأخرى لأنها ظلت موشومة في ذاكرتي و وجداني .
كانت و كانها قمر أضاء روحي في مكان موغل في حلكته
الباردة .
أرمرتني بصوت قوي و حاسم :
” Levanta tu cabeza hijo ,me honoras mucho ”
اي ” ارفع راسك يا بني ،إنك تشرفني ”
انْتَظَرَتْ برهة لأنصاع لامرها ، و مباشرة رفعت راسي ،و كنت معتزا باختياراتي و انحيازي للفقراء من أبناء الشعب ،و إيماني بالقيم الفضلى التي من أجلها تواجدت في تلك القلعة الإسمنتية ذات الجدران المهترئة و الرطوبة المؤذية .
بعد برهة و في نفس المكان تعرفت على السيدة الأمازيغية و التي كان يُنادى عليها ب” موي حدوم ” ، كانت امرأة فارعة الطول بوشم بين حاجبيها و في أسفل ذقنها ،تتمتع بنظارة لا تخطئها العين ،صوتها رخيم و كانت تبدو و كأنها تقود فيلقا من أمهات المعتقلين السياسيين .
تضع لهن خططا ميدانية لمواجهة رجال الأمن بمختلف تصنيفاته بما فيها المنتمون إلى مصالح مراقبة التراب الوطني .
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر.