وداعا الامهات ( 1)

1 يوليو 2022

ذ : إدريس حيدر

كان المزار ضيقا و مظلما إلا من خيوط شمس باهتة تخترقه أفقيا ، و في نفس الآن نتنا نتيجة أنفاس الزوار و رطوبة المكان و انعدام النظافة .
ولجته واُصِبْتُ بعمى لحظي نتيجة انتقالي من ساحة السجن المضاءة بشمس الصباح إلى ظلمة المزار.
لم اكن أرى أحدا، و بعد برهة و تكيف ذاتي مع المكان ، رمقت سيدة الكون أمي رحمها الله ، التي بمجرد أن رأتني كادت أن تكسر اسلاك الشبابيك التي تفصل عادة بين الزائر و المعتقل .
ابْتَسَمَت ابتسامة لازلت أتذكرها بين الفينة و الأخرى لأنها ظلت موشومة في ذاكرتي و وجداني .
كانت و كانها قمر أضاء روحي في مكان موغل في حلكته
الباردة .
أرمرتني بصوت قوي و حاسم :
” Levanta tu cabeza hijo ,me honoras mucho ”
اي ” ارفع راسك يا بني ،إنك تشرفني ”
انْتَظَرَتْ برهة لأنصاع لامرها ، و مباشرة رفعت راسي ،و كنت معتزا باختياراتي و انحيازي للفقراء من أبناء الشعب ،و إيماني بالقيم الفضلى التي من أجلها تواجدت في تلك القلعة الإسمنتية ذات الجدران المهترئة و الرطوبة المؤذية .
بعد برهة و في نفس المكان تعرفت على السيدة الأمازيغية و التي كان يُنادى عليها ب” موي حدوم ” ، كانت امرأة فارعة الطول بوشم بين حاجبيها و في أسفل ذقنها ،تتمتع بنظارة لا تخطئها العين ،صوتها رخيم و كانت تبدو و كأنها تقود فيلقا من أمهات المعتقلين السياسيين .
تضع لهن خططا ميدانية لمواجهة رجال الأمن بمختلف تصنيفاته بما فيها المنتمون إلى مصالح مراقبة التراب الوطني .

يتبع…

تشكيل : إدريس حيدر.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading