من سجلات الماضي ….

19 يونيو 2022

الفنان : محمد الرايس

كانت بداية وصولي إلى برشلونة شهر يوليوز صيف عام 1984 منتصف الليل على متن قطار  طالݣو Talgo Express بمحطة صانص للقطارات قادما لها من مدريد العاصمة التي تبعد عنها بحوالي سبعة مئة كيلومترات ، أي بعدما تم قبولي بكلية الفنون الجميلة هناك ، كانت رحلة ليلية طويلة استغرقت أكثر من عشر ساعات ، وفي رحلتي هذه تعرفت على فتاة أمريكية من ولاية فرجينيا- من أتلانتا، كان إسمها ليزا مانيز كانت جد شقراء وجميلة وتبتسم بعفوية ، قضينا ليلة جميلة ملؤها الحب الإنساني والإنسجام , حيث تجادبني الحديث بكل عفوية و تبتسم بصدق وتضحك بكل حرية .. كان حديثنا وتبادل وجهات النظر حول إسبانيا وبلدها أمريكا الشمالية وكذلك المغرب … كانت رحلة ممتعة و فريدة ظلت ذكرياتها راسخة في مخيلتي إلى اليوم … وإبان رحلتنا ناولتني لييزا رقم هاتفها وعنوان إقامتها ودعتني لزيارتها ببلدتها أتلانتا , التي ولدت بها بولاية فرجينيا …لكن لسوء الحظ ظروفي المادية ودراستي كطالب لم تكن تسمح لي بذلك… كانت بداية حياتي الطلابية بالمهجر جد صعبة ولا تسمح لي بزيارة الولايات المتحدة ، كان في ذلك الفترة رئيس الولايات المتحده الامريكيه هو رولاند ريكان من الحزب الجمهوري …. وبينما نحن في رحلتنا على متن القطار كانت العديد من الشعارات السياسية المنددة بزيارت الرئيس الامريكي السابق ريكان من طرف الأحزاب اليسارية الشيوعية تملأ جدران ممرات الخطوط الحديدية و الانفاق وجوانب الحيوط بجمل شعارات سياسية وجمل كبيرة ورسوم كرافيكية تحتج وتندد بزيارة رئيس الولايات المتحده الامريكيه في ذلك الفترة لإسبانيا ! وكانت الفتاة ليزا تشاهدها بتامل شديد و تقرأ وتستغرب، وتشمئز ويسكنها الحزن !؟ و وصرخت من أعماقها قائلة ياللعار لماذا يكرهون ريكان ؟ ،قلت لها إن الشعب الإسباني لا يكره الشعب الأمريكي … إنها أمور سياسية ومواقف أحزاب شيوعية تكره نظام الحكم الرأسمالي. وكنت أحاول التخفيف عنها بأن لا تبالي بهذه الخزعبلات.. … وبعد وصولنا برشلونة ودعتها ، و بعده أخدت طاكسي أجرة يعمل بالعداد حيث وصلت التسعرة ما يعادل اليوم ثلاثين يورو ( خمسة ألف بسيطة في ذلك الوقت ) من برشلونة الى عنوان إقامة أختي التي تبعد عن برشلونة بثلاثين كيلومتر .. مَكَثْتُ صيف هذه السنة مع أختي التي كانت تقيم بمدينة كرانوييرس بلدة كبيرة لا تبعد عن برشلونة ،في تلك الفترة الزمنية كان عدد المغاربة المقيمين بهذه البلدة على رؤوس الأصابع ، وبعد عطلة الصيف عدت إلى مدريد العاصمة قصد بدايتي دراستي الفنية هناك … حيث أقمت قريبا من ساحة باب الشمس puerta del Sol بقلب العاصمة مدريد.. كانت بداية المبيت بنزل ماريا Hostal María لمدة ثلاثة أيام وكان لها من عرق ألماني pastor alemán .. ماريا مالكة  الفندق قلب المدينة العتيقة كان أصلها مغربي لكنها تنصرت ولها ابن ملامحه إسبانية يلقب بخوان …… لكن اسوء الحظ لم أطق  الذي كان يتجول بكل حرية كانت رائحته كريهة ويترك بقايا شعره بكل مكان.. أصبت بالحساسية من شدة رائحته الكريه وكذلك روائح نبيد التنتو rouge الذي كانت تتناوله بلا إنقطاع طيلة الليل والنهار… بعدها لم أتحمل وغادرت إلى نزل أخر يديره لبناني مسيحي متقدم في السن وله رفيقة برتغالية تعيش معه بنزل كواطرو بوسطيس cuatro postes بشارع خاردينيس calle jardines الذي يطل على شارع مونطيرا calle montera ، كان ثمن الكراء الشهري لبيت صغير جدا في تلك الفترة 700درهم ما يعادل إثنة عشرة ألف بسيطة ولم يكن وجود لعملة الأورو ولا عضوية لإسبانيا بالسوق الأوربية ولا وجود لما يسمى بالإ تحاد الأوربي ، كانت مصلحة التعليم العالي لوزارة التربية الوطنية تبعث لنا بمنحة دراسية قدرها ألف درهم في الشهر ، وبالرغم أن مستوى العيش في تلك الفترة شبه عادي .. كانت المنحة الدراسية لا تكفينا بتاتا كنا نحن طلبة الفنون الجميلة مغاربة وأجانب نذهب الى متنزه parque del Retiro حديقة ر ىيثرو الشهيرة والقريبة من متحف البرادو Museo del prado ، كنا نرسم لوحات كبيرة دينية مسيحية لكبار رسامي المدرسةالإسابنية والمدارس الفنية الأوربية المعروفه في تاريخ الفن الغربي لإثارة السواح كي يلقو لنا بالنقود قصد تسديد مصارفنا اليوميةوالدراسية ، تابع فحكايات حياتي بالمهجر كلها معاناة وصبر جميل ….

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading