ما بين البناء الديمقراطي و حكومة أخنوش

18 سبتمبر 2021
ذ.بلبهلول أنور *
لطالما كان هذا السؤال منهل النقاش لدى المفكرين و المحللين المهتمين بالشأن السياسي في المغرب و لعله يعيد نفسه بإستمرار هذه الأيام مع محطة  الإنتخابات التشريعية و هنا نقف على كلمة تشريعية أي نحن بصدد إنتخاب من سوف يُشرِّع القوانين التي تسود و تطبق على عموم الأفراد داخل المجتمع المغربي و هذا أمر يكفله الدستور و ينص عليه كتعبير راقي للديموقراطية بإعتبارها آلية تتيح للأغلبية التي حددها الشعب لتنفيذ برامجها التي إقتنع بها قصد ترجمتها خلال فترة الحكم، لا يحدث هذا الأمر للأسف في المغرب ذلك أن التجربة التاريخية أكدت على أن كل الحكومات فور تسلمها “الحكم” تتراجع عن تصوراتها و وجاهتها التي ميزتها قبل الدخول إلى الحكومة و لنا في تجربة العدالة و التنمية الأخيرة عبرة لهذه السُنَّة التي تميز النظام السياسي في المغرب عشر سنوات من الحكم تم فيها تمرير قوانين لم يكن لقيادي الحزب تصورها حتى في المنام قبل وصولهم للحكم نفس الأمر مع تجربة التناوب التوافقي التي قادها حزب الإتحاد الإشتراكي و غيرها من الأحزاب التي وصلت إلى الحكومة منذ الإستقلال ليومنا هذا فما الذي يحول دون تشبث هذه الأحزاب بمبادئها إبان فترة “حكمها” ؟
يقسم موريس ديفرجيه الأحزاب السياسية لقسمين أحزاب الأطر و أحزاب الجماهير هذه الأخيرة تحظى بدعم شعبي و شرعية أكثر مقابل أحزاب الأطر التي تتميز بالنخبوية الإجتماعية إلا أنها تبقى ضرورية و حاضرة في مختلف الديموقراطيات من خلال إحتوائها على أطر ذات كفاءة عالية تُعتمد لتسيير و تدبير قطاعات بعينها و في هذا السياق أضحى هذا النوع من الأحزاب هو السائد و الأكثر توافق مع توجهات المؤسسة الملكية حسب صحيفة ذا التايمز البريطانية بينما لا تحظى بدعم شعبي خصوصاً و أن نسبة المصوتين من السكان المؤهلين لهذا الواجب الوطني لم تتجاوز 30٪ كحد أقصى ! هذه النسبة تخضع لمعايير غريبة في تحديد أصواتها تتميز بالتخلف و الأمية السياسية كما أنها غالباً من العالم القروي بينما السواد الأعظم من المثقفين و الطلبة و الموظفين لا يصوتون لأنهم يعرفون أنه لا جدوى للتغيير مع الأحزاب الموجودة في الساحة.
أسفرت نتائج الإنتخابات الأخيرة تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يعد تجمع لكبار رجال المال و الأعمال بالمغرب و الذي تم تعيين رئيسه عزيز أخنوش رئيساً للحكومة هذا الشخص الذي إرتبط إسمه بملفات فساد عديدة ملف المحروقات و تأخر منجزات مخطط المغرب الأخضر..و غيرها.
 رغم السخط الشعبي و تقارير المجلس الأعلى للحسابات و مجلس المنافسة التي تدينه اليوم هو رئيس للحكومة.
هنا قد يبدو لكل المتتبعين مدى تركيبية العمل السياسي في المغرب و مدى مفارقة تبني خيار البناء الديموقراطي مع هذه الأحزاب السياسية!
 فكل ما يميز الحزب الفائز اليوم في المغرب ميَّز الأحزاب السابقة حتى إن كانت ترفع شعارات ضد الفساد تتبدد تلك الشعارات عند تقلدها مناصب المسؤولية بل العديد منها يعلم طبيعة النظام السياسي و يعمل للوصول من أجل المصالح و ثلة قليلة تلك التي حاولت لكن دون جدوى كان أخرها تجربة حكومة عبد الإله بنكيران من 2011-2016 التي تميزت بتدبير نزيه واجه خلالها حقائق خطيرة حول الفساد عبر عنها “بالتماسيح و العفاريت” دون مواجهتها، كما أشار في العديد من المرات على أن حكومته حكومة جلالة الملك و أن هذا الأخير هو الذي يقود و يسطر المشاريع الكبرى و ربما هذه الحقائق لم يستطع أحد قبله إبرازها إلا أنه مع ذلك  إنبطح و ساهم في تمرير قوانين لاشعبية في الأخير.
لاشك في أن تعدد الأحزاب بمختلف مرجعياتها و برامجها في بلد ما يعد دليل على الديموقراطية التي تتيح المجال لكل الفرقاء قصد تأطير توجهاتها و مبادئها من خلال المؤسسة الحزبية بينما في المغرب هذا الأمر لا يدل على الديموقراطية و التعدد حيث هناك أكثر من 30 حزب دون جدوى بل أكثر من ذلك هناك مأزق لدى المغاربة في إختيار حزب مناسب!
الأحزاب التقليدية تعيد إنتاج نفسها تارة في المعارضة و تارة في الحكومة و هي التي تستحوذ على المشهد السياسي بينما الأحزاب التي تتبنى مواقف تقدمية و تناقش ملفات جريئة كميزانية البلاط الملكي و ملفات الفساد و تتبنى مشاريع قوية في التعليم و الصحة أغلبها يقاطع الإنتخابات كجماعة العدل و الاحسان المحضورة و النهج الديمقراطي و بعض الحركات و الهيئات.
يرتبط البناء الديموقراطي بإقامة دولة مؤسسات قوية و الدستور المغربي ينص على ترسانة قانونية تنظيمة من شأنها تسريع وتيرة البناء الديموقراطي و تتيح لكل مؤسسة ممارسة أدوارها في إستقلالية تامة بينما الأحزاب السياسية عند تسلمها الحكومة لا تشتغل بوجاهة يلفها الإلتباس و هذا ما أثبتته التجربة السياسية التاريخية  الأمر الذي دفع و يدفع الكثير التساؤل بمدى صحة الطرح القائل ب”الدولة العميقة” أو “المخزن” للإشارة للمؤسسة الملكية و محيطها من مستشارين و أطر من مختلف التخصصات بإعتبار هم الحكومات الحقيقية و أن ما يتم في الإنتخابات مجرد صورة للخارج و الداخل أم أن الأحزاب السياسية هي المسؤولة بقوة الدستور و هي أيضاً التي تؤسس للفساد و لا تعين في البناء الديموقراطي بالمغرب؟
صفوة القول إن إعتماد هذه الأحزاب السياسية في أي إصلاح أو بناء ديموقراطي لم يجدي نفعا فحراك الريف و حراك جرادة رفعوا شعار الدكاكين السياسية في وجه الأحزاب السياسية و الملك كذلك أشار في العديد من خطاباته للمنتخبين بأن يكونوا في مستوى تطلعات الشعب و أن لا يجعلوا المواطن يلتجئ إليه لأبسط الحقوق.
يقتضي البناء الديموقراطي الحقيقي نهضة تنموية شاملة تهم العلم و التربية و الإهتمام بالعنصر البشري لا بالأحزاب السياسية الفاسدة التي حُرِقت أوراقها لدى الشعب و لتحقيق هذا يكفي تقوية المؤسسات و الحكامة و الرقابة والمتابعة في حق كل المسؤولين و المنتخبين و هذا أمر لا يحدث بل هنا يُعاد إنتخاب المفسدين و تحميلهم مناصب المسؤولية ليبقى السؤال مطروح ما العائق الحقيقي لبناء ديموقراطي حقيقي الأحزاب السياسية أم قوى أخرى ؟
 * كاتب ومراقب
المراجع:
_رحمة بورقية: الدولة السلطة و المجتمع
_موريس ديفرجيه: الأحزاب السياسية
_آلان دون: نظام التفاهة

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading