Deprecated: Automatic conversion of false to array is deprecated in /homepages/4/d885985160/htdocs/ksar.es/wp-content/themes/amnews/includes/fonts.php on line 616

الطفل الذي كنته… د : نجيب الجباري

24 أبريل 2022

الطفل الذي كنته ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
*********************
كلما تقدم الإنسان في العمر كلما ازدادت حصيلة الذكريات وأحاديثها المعبقة بالحنين إلى أيام كان فيها أكثر زهوا بطفولته وشبابه وأكثر امتلاء بالٱمال والطموحات…
والذاكرة اليوم تشدني بإلحاح إلى الوراء..إلى سنوات الطفولة الأولى لأبحث في زواياها عن أشياءمعينة ماتزال متوهجة تقاوم الزمن بإصرار وعناد ..ولأبحث عن ٱمال لم تتحقق وعن أحلام كانت تبدو مستحيلة ولكنها أصبحت واقعا أعيشه اليوم …ثم أتوقف عند نقطة معينة ألا وهي من هو الطفل الذي كنته؟؟
طفولتي…حكاياتي…دونتني صغيرا…ولاتزال تقبع بداخلي خجلى تتوق إلى الحرية والإنطلاق..
الطفل الذي كنته!!
الٱن..الٱن..وليس غدا..ٱخذكم معي إلى اللامكان..وأحملني في غفلة من العالم ومن عيون الزمان لأحدثكم عن الطفل الذي كان…
في الطفولة أبهى الحياة…
نتفق جميعا على اضمحلال الزمان ..ولكن طفولتنا ستظل دوما الينبوع والشمس…
الطفل الذي كنته؟ ها أنا أستعيد ذاكرتي بل أعيد اكتشاف ذاكرة كانت قد صنعت الكثير من زواياها عناوين كبرى…جميعها تسبح فوق وجه السماء الواسع كمراكب شراعية مضيئة بحرية وسرور…وما أنا إلا ابن البحر…وما تصورت نفسي يوما أنه يمكنني العيش بعيدا عن فسحة المساءالبحرية…على شواطئ المتوسط…أدركت منذطفولتي قساوة الحرمان في تلك اللحظات المبهرة..
خلال الذكريات نتعلم الإيقاع بأحلامنا..لا أحد يجلس في الذكريات غيري…في طرقات لا متناهية مغمورة بالأمل..وأطياف المساء..كانت طفولتي مفروشة بالنهارات البيضاء…وقصص الغروب على شواطئها..في تلك الزوايا…وفي تلك الخلوات والانحناءات…كنت أصغي لحب الأرض للأرض..وحب الماء للزهر…كما الصديق الحنون..وكما الشمس الأم العظيمة…كنت أسير يراودني شعور غريب لأن أخاطبها…لأن أتودد إليها..أعيش معها للأبد…أن أبحث بين أوراقها عن رسائل المحبين وٱهاتهم..وأفتش بين أريجها عن هواجس المسهدين وأرقهم…في تلك الليالي الطوال…حاملا كل هذه الذكريات ..جئت مستفسرا: من هو الطفل الذي كنته؟ أشغل ذاكرتي وأتأمل طفولة لا يمكن دفنها أبدا..
لنخلق كلمات عاصفة كالريح
لنخلق كلمات تفتح الثغرات
عندا أنظر إلى الوراء ألمح أفراحا وألوانا وأحزانا ودموعا وأشباحا وحروبا دامية..أتذكر فصول الخريف الحزينة والشتاءالدائم البكاء…والمقاعد الخالية…فتهزني قشعريرة الحنين…
تبدو لي مدنا زرتها…وأبوابا طرقتها…ومقاه لم ألجها…ووجوها صادفتها يوميا..وعيونا لم أعرف أصحابها…ذكريات حنين وشجن يعذبني…ويدمع عيني…الزمن سركبير ..أسئلة محيرة..كتب يعلوها الغبار..جرائد صفراء ..تواريخ مجهولة..أسطوانات متهالكة…
طفولة عبرناها على رؤوس أقدامنا المشققة..لم نكن أطفالا..ولم تكن الحياة رحلة موفقة دائما…
مدينتي امرأة تضمني بذراعيها الأرق من العصافير..احتضنتني في وقت ليس كوقتنا الحاضر المكسور ..مدينتي رائحة من بهاء قديم معسول ..بحنين لا حدود له..
من أهم الذكريات التي بقيت عالقة في القلب والوجدان هي لما بلغت سن الخامسة عندما قرر والدي رحمه الله أن يذهب بي إلى المسيد لأخذ نصيبي من حفظ القرٱن الكريم إسوة بأقراني..ما زلت أتذكر أنني كنت أذهب والخوف يأخذ مني كل مأخذ ..كيف لا وأنا سأدخل مكانا هو أشبه بسجن ضيق بالكاد تصله أشعة الشمس ونسيم الصباح من ثقوب الباب..هذا المكان كان يحكمه”حاكم” هو الفقيه..شيخ طويل عريض ذو لحية بيضاءكثيفة…في يده عصا طويلة هي وسيلته الوحيدة لل”تواصل” مع الصغار ومعاقبة كل من سولت له نفسه عدم الانضباط والشرود عن متابعة التلاوة والحفظ..لا أخفيكم أنني كنت أهابه وأعتبره غير جدير بالاحترام والتقدير..لكنني الٱن أحييه بكل إجلال وإكبار وأدعو له بالرحمة والمغفرة لأن رحلتي الأولى مع الحرف والكلمة والقلم والمدواة كانت معه..فليته الٱن يعلم ماصاره ذلك الطفل الذي كنته وما صنعته به يداه…!!

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading