الطفل الذي كنته ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتاب وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
*** حلقات تعدها : أمينة بنونة
زمن يتوَقَّدُ فِينا لا ننساه
كنّا نمشي حفاة
عَلى قضبان سكة الحديد
كما لو نمشي عَلى حبل مشدود
نتمايل نتماسك نسقط
نضحك نُعِيد الكَرَّةَ مرات
ولا نترك حلم الرحيل إلى مدن أخرى
يسْقطُ من أعيننا
حينما نتعبُ نتبارى في رمْي الحجر
ونستريح تحت الجسر
ننتظر مرورَ القطار
في يدنا حقائب المدرسة
كأنّنا عَلى رصيف المحطة
نَتهيَّأ للسفر
يصْهْل القطار راكضا
خلْفَ زجاج النوافذ
تتَوَالى وجوهُ رجال ونساء
يبتسمون ويلوحون لنا بأيديهم
نتصور أننا أيضا
سنسافر ذات يوم بأحذية لامعة
وربطاتِ عنق فراشيّة
وسنُحَيِّي مثلهم أطفالاً قرويين
سنراهم وسط سنابلَ الحقول
يرفعون المناجلَ في الهواء
لم يأت ذلك اليوم
نُصاب بالضجر
ونجلس عَلى حافة السكة
يائسين نقدف حُلمَنا بالحجر
قطار يصل وآخر يمضي
أزيز العجلات وصرير الفرامل
وزوابع غبار برائحة النفط
يُعلن أحدُنا كآمِر ِالمحطة:
هذا موعد الرحلة الأخيرة
يضع دفتراً مثل قُبَّعة عَلى رأسه
يضغط بأصبعه بين شفتَيْه
ويُطلق صافِرةَ الإقلاع
نودِّع بعضنا البعض
ونندفع كمسافرين وصلوا متأخرين
نحو أدراج عربات لا مرئية
بأقدام معفَّرة بالتراب
ننطلق وقد فرّقتنا الاتجاهات
عائدين إلى بيوتنا
مشيا عَلى قضبان الحديد
نختفي في عتمة أول اللَّيل
لا ندْرِي ما إذا كنّا سنلتقي
وأين سينتهي بنا
هذا السَّفر