الطفل الذي كنته ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتاب وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
**
كنت الطفلة، أحبو إلى الحياة متوجسة من الظل خلفي.
في محفظتي أقلام ملونة ،قصة ليلى والذئب وقطعة شكولاطة ،أقضم منها ما احتاجه من حلاوة المذاق ،واعيد الباقي منها ملفوفا بعناية إلى جيب محفظتي الصغيرة ،وكأني أخاف عليها من رغبتي الشديدة ،في قضم مابقي .
طفلة كنت ،أخاف الرحيل وانا الراحلة بين المسافة والمسافة .
كلما تعلقت بصديقة أو صديق ، ودعتهما مرة أخرى، لأرسم من جديد شجرة تين وكرمة عنب ….
يكبرالحلم في مخيلتي الصغيرة مسبحا للحياة، وكمشة أحلام يقظة .
وسط عائلة متوسطة الدخل .
بين خياطة الحي (المعلمة) وبين المسيد وعتبة البيت كان حجم الحياة يكبر حد الفرح الممتد على شفاهي ، وابتسامة عريضة لاتخجل من حال كل حال .
في المدرسة أصبح الطفلة الكبيرة ،
أقلامي الملونة زادي في رسم مايزعجني ومايسعدني على بياض الاوراق. وعندما أتعب في استمالة الالوان لكتابة أحجية أكبر فيها ،ألجأ إلى سماع حكايات جدي وقصص أمي المرتبةحكاية الغول ، عيشة قنديشة وقصة هينة ياهينة ووو…كنت أنام وانا أعيش دورا في كل حكاية وقد ينتهي بي المطاف إلى سرقة مذياع أبي وقت ديمومته في العمل للسهر مع حلقات سيف ذي يزن .
نعم كنت الطفلة الهاربة بأحلامها الصغيرة، إلى محراب الصمت، بعيدا عن ضجيج الواقع ،أنتظر الصباح من جديد لأرتب محفظتي وأعانق مقاعد الدراسة.
فتختلط ألوان المدفأة الرمادية وبياض الثلج خارج القسم، بخريطة العالم .
حتى أصبح منطق الألوان معكوسا في قاموسي وهذا أتعب
أستاذ التربية الفنية وقتها في فك لغز هذا الخلط عند فرز الألوان الثانوية عن ماهو أساسي .
كنت الطفلة “بين فيلاج ميرعلي بوجدة, و”باب المحلة” بالقصر الكبير وصفارة القطار الممتد صفيره حتى حي السلام…
ينضج الصوت بداخلي،إنها رائحة الشمندر، وقصب السكر ،مياه وادي اللوكوس ،رائحة الحناء بكف عمتي، وتربة” الترس،” هذه الرائحة التي تشبعت بها قصائد لفت عطرها يوما انتباه الفنان محمد حنين عضو مجموعة السهام ورفيق الوزرة البيضاء بالعمل عند قراءته لديوان قلب العاصفة بمعرض الكتاب، ليقول بعفويته التي اعتدتها:
لولا ضفاف اللوكوس ومياه وادي المخازن، ما كنا سنفوز بهذه النصوص.
أجبته وانا أبتسم لذلك الحس الفني خلف كلماته
أخبرني الظل خلفي يوما
أني لست أقرع
طبول القافية وحدي
لست وحدي أمشي بداخلي
محاصرة بفتيل الصمت
لست أحلام غواية
ولادموع آلهة مقطرة
على ظهري
لم يرتبني الصفر،
على سبورتي البيضاء.
هي أسطورة رقم
ينسج شساعته
في زحمة السير …
أمجد طقوس البقاء
خسرت فيها لهفة الدور
.تشققت أضلاع الأمنيات
على عتبة البحر
تكشفت كل النوايا العارية
تلقفتها رموشي ..
وعيون الصبر
خلف ظلي…
تلصصت الطفلة التي كنت…
كمشة أحلام وخمار الدهشة
وزعتها رياح الشمال
على ضريح مولاي علي بوغالب
وقبر أبي..
بين قبة لا لة منانة
ومرقد أمي…