ذ : إدريس حيدر
علقتُ على كلامه قائلا :
” سيدي محمد ( و كان هذا اسمه الشخصي )
إن السبب الذي اعتمَدْتَهُ من أجل طلب التطليق غير مقنع ،بل إن رغبة زوجتك في التعلم أمر محمود ،و في اعتقادي إن امتلاكها لغة البلاد التي تأويكما سيساعدكما على الاندماج الكامل في المجتمع الإسباني ،مما سيفتح لكما الطريق عريضا و واسعا نحو الترقي الاجتماعي ،و بالتالي فمزاعمك التي تعتمدها ستجعل القاضي متيقنا على أنك تستعمل الحق الذي أولاه لك المشرع استعمالا تعسفيا ”
قاطعني رافعا صوته بعض الشيء:
” أنا لا يهمني ما سيفكر فيه القاضي ، مصلحتي و أولى اولوياتي هما : سعادتي و هنائي . ”
حررت له مقالا للدعوى بهذا الشأن .
و عند أول جلسة ، اكتشفت ان زوجته كانت جميلة ،ذكية و ذات روح مرحة .
بداية طلب القاضي من السيد : محمد السريفي أن يحدد له أسباب لجوئه لطلب التطليق.
فكرر ما سبق له أن صرح لي به في مكتبي ، فكانت ملاحظة القاضي هي نفسها التي سبق و أن ابلغته بها.
و عندما أعطيت الكلمة لزوجته ” نجمة الواعر” ، صمتت قليلا ،و ابتسمت ابتسامة خفيفة .
كانت متوسطة الطول ، شعر رأسها أسود فاحم ، عيناها سوداوين يعلوهما حاجبان رقيقان و كأنهما قُصَّا و سُطِّرا بعناية فائقة و بدقة عالية ،كما أن مبسمها كان جذابا ،خاصة عندما تفتح فمها أو تبتسم أو تضحك .
قالت بهدوء شديد :
” أنا سيدة من أسرة محافظة و متعددة الأفراد ،حيث أن لي 08إخوة بين ذكور و إناث، و أبي رجل فقير ، يعمل في الحقول و الأراضي الفلاحية ، و أحيانا يشتغل راعيا لدى الغير.
و نظرا لفاقة أسرتي و الفقر الذي كانت تعيشه لم اتمكن من إتمام دراستي بالرغم من حصولي على نتائج رائعة، و انقطعت عنها في السنة الثانية من التعليم التأهيلي ، وقبلت الزواج من السيد : محمد السريفي ،للتخفيف عن أسرتي أعباء مصاريفي.
و عند التحاقي بالديار الإسبانية ،قررت أن لا أكون خادمة أو قنة لدى زوجي بل امرأة و زوجة فاعلة في المجتمع ،ابتدأت بتعلم اللغة الإسبانية و بعدها الانتساب لإحدى جمعيات المجتمع المدني من أجل تجويد مهاراتي و الاندماج الفعلي في المجتمع و البلد الذي نعيش فيه معا.
و هنا ثارت ثائرة زوجي الذي رفض كليا ما أقبلت عليه ،خاصة و أنه بدأ يشعر بالنقص و الدونية أمامي، و لا أدري لماذا ،بل و يؤول كل ما يصدر عني بتعاليَّ و غروري. فاقترح علي أن نقضي العطلة السنوية في بلادنا و نجدد صلة الرحم مع الاهل و الأحباب.
و عند وصولنا إلى أرض الوطن ،أخذ زوجي مني كل وثائقي الثبوتية لتقديمها لرجال الأمن الذين يراقبون دخول المسافرين لأرض الوطن . غير أنه لم يرجعها لي . و هدفه تركي هنا و قتل طموحي و الانتقام مني “.
أنكر ” محمد السريفي ” حيازته لوثائقها و لمزاعمها و تشبثه بأقواله.
كانت تلك هي الجلسة الأولى للصلح ، و لأن القاضي لم يقتنع بما صرح به الزوج و اعتقد انها مجرد لحظة غضب ،غالبا ما ستمر سريعا ، مكنه من أجل آخر للصلح.إلا أن الزوج كان قد أخذ قراره و حسم الأمر و لم يعد يفكر في إجراء صلح مع زوجته .
و بعد أيام معدودات أصدرت المحكمة حكمها القاضي بتطليق الزوج من زوجته للشقاق و بمستحقات مالية لها.
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر.