_ أسامة الجباري
الجيل الأول للاستقلال كان جيلا فريدا في كل شيء أعطى المُثل العليا في التضحية ونكران الذات والدود عن الوطن، كنت أعتقد أن ذاك الزمن قد ولى إلى غير رجعة وأن رجال تلك المرحلة قد رحلوا بعد أن قاموا بواجبهم الوطني على أكمل وجه وأُسدل الستار على تلك المرحلة المشرقة من وطننا العزيز، لكن المفاجأة الغربية وجدت أن الجيل الأول مازال يبهرنا إلى يومنا هذا ويعلمنا أيضا، هذا ما اكتشفته مؤخرا وأنا أطلع على وثيقة في خزانة السيد الوالد رحمه الله تعود إلى سنة 1956 . أول ما لفت انتباهي إلى حد الدهشة هي طريقة كتابة الوثيقة والتي هي عبارة عن” محضر اجتماع” حيث صيغ المحضر بطريقة أنيقة ومحترفة وبخط جميل لم ينس الوالد رحمه الله السيد أحمد الجباري الذي وُكلت إليه كتابة المحضر أن يشير أولا إلى تاريخ الاجتماع بالهجري أولا ثم الميلادي ومكانه والمشاركين فيه والقرارات التي أسفرت عنه ، تأسفت كثيرا على حالنا اليوم كيف أننا في كثير من الاجتماعات لا نولي ما يجب من الاهتمام لهذه الأمور! ، كيف أدرك ذاك الجيل مبكرا أهمية التوثيق والأرشفة؟.
لفت انتباهي أيضا في هذه الوثيقة اهتمام النخب بالقصر الكبير مبكرا جدا بأهمية العلم والمدرسة والمراهنة على التعليم كقاطرة نحو التقدم والازدهار. ففي السنوات الأولى للاستقلال كان الهدف هو الرقي بالمجتمع المغربي عامة والقصري بصفة خاصة ومحاربة الجهل والأمية وهذا بدا واضحا في الوثيقة والتي الغاية منها بناء مدرسة علال الفاسي وتأسيس أيضا مدرسة الاتحاد النسائي…
قد يبدو الأمر غريبا ففي تلك الفترة التي أعقبت الإستقلال كانت المرأة تشارك بجانب الرجل وتساهم أيضا في صنع الحدث من خلال أنشطة سياسية أو ثقافية وهكذا نجد في الوثيقة أسماء سيدات من القصر الكبير شاركن بجانب الرجل في هذا الاجتماع.
إني أعتبر هذه الوثيقة التي بين أيدينا وسام شرف وردا للاعتبار لكل العائلات القصرية الواردة إسمها في الوثيقة على مساهمتها في إنجاز مشروع هذا البناء الخيري، من قال إن الخيرين يموتون ؟ هذه الوثيقة تنفظ عنهم غبار اللحد و النسيان، عسى الله سبحانه وتعالى أن يجعلها صدقة جارية في ميزان حسناتهم ….
أود في الأخير أن أشكر أخي سي مصطفى الجباري الذي مكنني من هذه الوثيقة وأخي الأكبر سي الطاهر الجباري على رقن النص على الكمبيوتر .
يوم الأربعاء 18 حجة عام 1375موافق 25 يوليو 1956 عقدت لجنة بناء مدرستي حزب الاستقلال جلستها المكونة من السادة محمد التكموتي ، احمد الجباري ، احمد الفاسي ، عبد السلام العمراني ، احمد الريسوني. محمد بن جلون، عبد القادر السدراوي محمد بنيس ، الحاج أحمد بن جلون احمد بنيس ، محمد بنيس ، الصالح البقالي ، احمد الغرابلي ، الحاج علال اسليمان ، قصد تعيين أمينها وحاسبها ومتصرفيها في شؤون بناء المدرستين ، وبعد المداولة تم ان يكون اختيار هؤلاء عن طريق الانتخاب بدل طريق التعيين ، فأسفرت نتيجة الانتخاب عن كون السيد الحاج علال سليمان أمينا والسيد احمد الجباري كاتبا والسيد محمد بنيس حاسبا ، ووقع الاجتماع على تعيين السيد محمد التكموتي والسيد عبد القادر السدراوي والسيد عبد السلام العمراني والسيد محمد الحسيسن متصرفين يباشرون أعمال البناء ، والباقي أعضاء مستشارون ، وتمت المصادقة على ذلك في يومه وتقرر ان يضع الحجر الأساسي للمدرستين الاستاذ الكبير عبد الخالق الطريس يوم مجيئه للقصر الكبير 28 من الشهر الجاري ، وتكلف المتصرفون باستعداد لذلك ، وختمت الجلسة .
وبتاريخ 21 حجة عام 1375 موافق 28 يوليو 1956 حضر أحد زعماء حزب الاستقلال وسفير المغرب باسبانيا الاستاذ الكبير عبد الخالق الطريس بمدينة القصر الكبير لوضع الحجر الاساسي لبناء المدرسة التابعة لحزب الاستقلال الذي تبرع بأرضها وبمائة ألف بسيطة لبنائها السيد المهدي البقالي وأخوه السيد الصالح ولبناء مدرسة أخرى تابعة للاتحاد النسائي التابع لحزب الاستقلال الذي تبرع بأرضها السيد الحاج محمد الحسيسن والحاج التهامي بن جلون وتم وضع الحجر الأساسي لكل من المدرستين بيد الزعيم الاستاذ الكبير عبد الخالق الطريس في حفل بهيج مهيب بحضور سكان المدينة وما جاورها وجُعِلت عند وضع الحجر الأساسي لكلتي المدرستين وثيقة محشوة في أنبوب تنص على توثيق هذا الحدث الكبير مع الدعاء لأمير المومنين ملك المغرب مولانا محمد بن يوسف . وكانت لجنة تأسيس مدرسة حزب الاستقلال من طرف مكتب اللجنة الفرعية لحزب الاستقلال بالمدينة المكون من السادة محمد التكموتي ، احمد الجباري ، احمد قدامة ، احمد الفاسي ، احمد اسليمان ، المصطفى الشاوش ، محمد بن زكري ، عبد السلام العمراني ، محمد بن جلون ، عبد السلام القيسي ، احمد الريسوني ، التهامي التكموتي ، وانضم اليهم بعض أعيان المدينة بمدينة القصر الكبير ..
وتم تأسيس مدرسة الاتحاد النسائي التابع لحزب الاستقلال من طرف مكتب الاتحاد النسائي المكون من السيدات فاطمة بن جلون ، حبيبة الجباري ، مفتاحة بن يحيى ، العزيزة البقالي ، فاطمة الرميقي ، الشريفة الرميقي ، فطوم قجيرية ، العزيزة الزرقاء ، ثريا الديوري ، كنزة بنيس ، مليكة بنيس ، فطومة الحسيسن .
وخُتم الجمع بالدعاء لملك المغرب بحفظه ونصره يوم السبت 21 حجة 1375 موافق 28 يوليو 1956 .