_ ربيعة حميحم
كنت محظوظا للغاية ، فقد استطعت الحصول على عقد عمل مغري ، وبأجر خيالي في العراق الشقيق ، كنت متشوقا لبلاد الرافدين .
وبالفعل أصبحت أسرتي في بحبوحة من العيش ، تطير بجناحين على أرض مرفهة ، و أصبحت زوجتي حديث العائلة والكل يهمس لها : هنيئا لك بعمل زوجك الجديد . كانت فرصتي عظيمة لأزور كل مآثر العراق ، وأستمتع بعبق التاريخ ومهد الحضارات .
لكن ريحا قوية ، هبت لتقتلعني من جذوري ، وأدفن تحت أقدام الغزاة . عندما تتحول النعمة إلى نقمة !!!!! وما كان سبب سعادتك ، يتحول لموتك وهلاكك ، و يصبح قصرك هو قبرك .
تلاحقت الأحداث بسرعة رهيبة ، واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ، إقناع العالم بضرورة شن حرب على العراق ، لتهديده العالم ، بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل ….. وبدأت طبول الحرب تدق في كل مكان …… وفي 20 مارس 2003 انطلقت العمليات العسكرية “لتحرير العراق “، بأمر من جورج بوش .
كانت عندي فرصة كبيرة للهرب قبل الغزو ، لكن لم يهن علي البلد المضياف ، الذي كان له فضل كبير علي ، وأبيت إلا أن أظل في حماه ، وأرد الإحسان بالإحسان ، فجميله يطوق عنقي للأبد .
أطلقت صفارات الإنذار ، وانطلقت الحرب بقيادة الولايات المتحدة وحلفاءها ، لتندلع نار المعارك ، و يحرق هشيمها الأخضر واليابس ، لتتحطم الروح والنفس قبل الجسد ، لكن المعركة محسومة قبل البدأ ، فهي غير متكافئة فكيف لجيش أن يصمد أمام أمريكا ، وتحالف أكثر من 30 دولة معها .
عشنا أياما عصيبة ، تدمرت قلوبنا ، وتهشمت أرواحنا قبل تدمير العراق .
اندلعت المعارك ….. فكانت قوات الأعداء ، تحاصر المدن وتفتك بالمدنيين ، وتستخدم أسلحة محرمة دوليا حتى تحسم الأمر لصالحها ، فقد استخدمت قنابل نيوترونية في معركة المطار الشهيرة ، فأذيبت جثت المقاتلين العراقيين ، وماتبقى منهم سوى ساعاتهم ، ولم يعثر على جثثهم . كانت البلد تتهاوى أمامنا ، ونحن ننظر إلى بعضنا البعض نظر المغشي عليه من القهر .
كانت هناك مقاومة باسلة ، تكبد فيها الأمريكيون والبريطانيون أرواحا وخسائر عديدة ……. لكن نفط العراق وآباره وخيراته يستحق التضحية من أمريكا وابريطانيا ….
وجعي كبير على العراق العظيم ، لم أستطع حبس دموعي ، وأنا أشاهد الدبابات الأمريكية تدخل بغداد يوم 9/ 4 / 2003 وكأنها تدخل عقر داري ، وتنتهك حرمة بيتي …… تمنيت لو مت قبل هذا اليوم ، ولا أشهد سقوط عاصمة الرشيد !!!!!! بسقوطها سقطنا في بحر من الأحزان ، والتشتت ، لحظات حزينة تنفطر لها القلوب، يوم أسود لن يمحى من الذاكرة إلا بالموت . دموع العين تعكر دجلة والفرات ، أحسست حينها ، أن شرخا كبيرا أصاب الجسم العربي ……. يوم حزين مظلم وكئيب ، وكأن الطير على رؤوسنا ، كان الكل في ذهول وهلع وكأنه كابوس ، الكل يتلمس جسمه وعقله ويصرخ : هل أنا في كامل وعيي ؟؟؟!!!!!!! كان يوما فارقا في تاريخ بغداد ، فقد دخلها رعاة البقر الأمريكيون ، حاملين شعار الحرية والعدالة ……. وكأنني أشاهد فيلما سينيمائيا هوليوديا ، لا أنكر أن هناك من استقبلوا الجنود الأمريكيين ، بالورود لكنهم أناس بسطاء ، صدقوا الكذبة الأمريكية ،
إذ كيف لحرية أن تأتي على دبابة ، و أن تصب في صالح الشعب . فالمحتل يبقى مغتصبا ، مهما تظاهر بالرحمة والعدل ، فظاهره رحمة وباطنه عذاب أليم .
يا إلهي !!!!! كيف لهذا الجبل الراسخ في الأرض منذ آلاف السنين ، أن يصبح بين عشية وضحاها تحت الاحتلال الغاشم ، ويتكالب عليه الأعداء ، القريب منهم قبل البعيد ، فظلم ذوي القربى أشد مضاضة ……..
لكن هل هذا قدر بغداد ، أن يدنسها دوما أقدام الأوغاد ؟؟؟ استرجعت دروس التاريخ ، فهاهو يعيد نفسه في أبشع الصور ، فقد اجتاح المغول بقيادة “هولاكو خان ” مدينة بغداد عاصمة الدولة العباسية ، وحاضرة الخلافة الإسلامية ، وكعبة العلماء آنذاك ، فسقطت سنة 1258 ، بعد حصار شديد للمدينة المنكوبة ، ليدخلها وحوش التاتار ، ليعيثوا فيها فسادا ودمارا ، لا قلب لهم ولا رحمة ، كانت الميادين تسيل بالدماء ، أما الهاربون فيلاحقون ، فيذبحون فتسيل دماؤهم الطاهرة على الأرض ، حتى بلغ عدد القتلى مليون قتيل .
تمكن الحزن من قلوب المسلمين آنذاك بعد الغزو المغولي ، فقد دمرت المكتبة الكبيرة ببغداد ، والتي كانت تزخر بوثائق تاريخية ثمينة ، وكتب علمية في الطب ، وعلم الفلك ، وكانت مياه دجلة شاهدة ، على أكبر مذبحة للعلم والعلماء ، وأصبحت مياهه سوداء لكمية الحبر الهائلة من الكتب الملقاة فيه ……… وأحرقت المكتبات ، ونهبت القصور والمساجد ، وكان نهر دجلة شاهدا على أكبر مذبحة للعلم والعلماء ، وعامت الكتب الثمينة على سطحه . ومات الخليفة بعد أسره وتعذيبه ، وطويت صفحة ذهبية دامت نحو خمسة قرون من الازدهار ، وظلت المدينة خاوية على عروشها لعدة سنين .
لكن ما أشبه الليلة بالبارحة ، وها قد سقطت بغداد حبيبتي مرة أخرى ، صريعة تتلوى من الألم ، وعم الحزن والخيبة الشارع العربي ، وانتفض برمته معبرا عن استياءه الشديد وحزنه العميق .
كانت أسوء فترة عشتها في حياتي ، كانت أشبه بالحلم ، فترة كئيبة ، اسودت الدنيا في وجهي ، وأصبحت كالمجنون ، أيام كأنها الدهر ، رأيت أهوالا ، وانفطرت قلوبنا من الحزن ، أصبحت كالبركان أفيض غيظا …..يخنقني دخان الحرب ويعميني ، ضاق صدري ولم أعد أتحمل ، فقررت العودة لبلادي ، فللبيت رب يحميه ، وأهل العراق أولى بمحاربة الأعداء ، جئته ساعيا للرزق ، وقد فتح لي ذراعيه وارتشفت من خيراته شهدا ، لم أحس أبدا بغربة كنت في بلدي الثاني . لكنني عزمت الرحيل وبأية طريقة ، لكن كيف السبيل؟؟!! كل المدن ملغمة ، والدبابات منتشرة في كل مكان ، وحملات أمنية ، واعتقالات بالجملة ومداهمات ليلية ……. ولا يسلم أحد من الاعتقال ، لكنني لم أيأس لابد أن أعود لبلدي ، انتابني إحساس رهيب بالغربة ، وعدم الأمان ، وكأن البلد أصبحت للأمريكيين والأجانب ولم يعد لي مكان فيها . فلا أمن ولا أمان ولا حرية بعد اليوم ، فقد أصبح حاميها أو من يدعي ذلك هو حراميها . لكن سؤالا قض مضجعي ، مالذي جعل أمريكا تجيش الجيوش وتعد العدة ، وتستنفر العالم وتقطع المسافات ، وتجهز الأساطيل ؟؟ هل كل هذا من أجل سواد عيون العراق؟؟؟!!!
انكشفت اللعبة وظهرت الحقيقة ، وسقطت أوراق التوت ، وكشفت أمريكا عن وجهها المقيت ، وأغراضها الدنيئة . وطمعها بثروات العراق .
اتصلت بأناس ، وعدوني بتهريبي خارج البلاد ، نفذت كل شروطهم ، وأعطيتهم كل ما أملك ، كان كل همي ان يلتم شملي مع أبنائي .
قررت الرحيل ، فللبيت رب يحميه ، وللعراق رجاله الأبطال النشامى البواسل ……….
وجاء يوم الحسم ، خرجت صباح ذلك اليوم المشؤوم ، كنت برفقة أحد معارفي ، وكان سيأخذني بسيارته ، لكننا أوقفنا من طرف جنود أمريكيين ، طلبوا منا النزول ، وبدأوا بتفتيش السيارة ، كنت مضطربا جدا جدا ، وكارها الموضوع كله ، كانوا يتعاملون معنا بوحشية ، طلبوا منا النزول على أرجلنا ورفع أيدينا فوق ، شعرت بالذل والقهر ، حاول رفيقي الاعتراض ، وعبر عن امتعاضه ، فوجئت بركلة قوية على وجهه ، لم يستحمل الإهانة فانقض على الجندي الامريكي كالأسد الجسور ، ليصفعه بالمثل ، لكن للأسف اجتمعت عليه الذئاب ، لترديه قتيلا في دمه ، لم أتحمل ذلك المنظر وبدأت أصيح بهستيرية Go back ، Go back أخرجوا من هنا أيها الاوغاد
أخرجوا أيها الجبناء ، كنت اقولها بالإنجليزية ، ليأتي دوري وآخذ نصيبي من الركلات …… فقدت وعيي ، لأستفيق في مكان عجيب غريب ، إنه سجن أبوغريب ، هذا السجن الغريب ، الذي وضعت أمريكا يدها عليه بعد غزوها للعراق .
سحبت من رقبتي بسلسلة ، كان وجهي مغطى بكيس ، كنت أسمع أصوات استغاثة ، وكلابا تعوي ، وأشم رائحة الموت في كل مكان ، كان هناك آلاف الضحايا ، الذين اقتيدوا إلى السجن ، وعوملوا بوحشية دون تهمة أو ذنب ….. هؤلاء الأمريكيون الذين جاؤوا رافعين شعار الحرية، وحقوق الإنسان ، ليكشفو عن نواياهم الحقيقية وأغراضهم الدنيئة ، وليجسدو القبح والظلم ، والشر في أبشع صوره .
أطلق العنان للمحققين ، لفعل كل ما يحلو لهم من فظائع ، وترك لهم الحبل على الغارب ، فالمسجونون هم أعداء حقيقيون للاحتلال ، ولابد أن يعترفوا على أنفسهم وعلى الآخرين ، كان السجانون يتفننون في إذلال السجناء ، ذقنا وبال التعذيب ، بقيت مربوطا لأيام عديدة على باب الزنزانة ، وأنا مجرد من الملابس ، طلبو مني خلع ملابسي بالكامل ، فلما رفضت نزعوها عنوة ، ووضعوا الأغلال في يدي ورجلي وغطوا رأسي ،
ناهيك عن الصعق الكهربائي ، في مناطق متفرقة ، وحساسة من جسمي ، أما الإذلال النفسي ، والتحرش ، وممارسات سادية فهي من أهم بنود سجن أبوغريب .
تبعثرت كرامتي أشلاءا ،
بقيت عاريا من ملابسي ، لأيام عديدة ، لكي يمنوا علي ببطانية تسترني ، رأيت فظائع وأهوالا ، وانتهاكات صارخة لكل الأعراف ، والمواثيق الدولية ، شيئ مفجع جدا ، و لا يخطر على بال بشر ، لم ترحم النساء ولا الأطفال ، الذين كانوا يستخدمون ورقة ضغط على أهاليهم ، أغلب الوقت وجوهنا مغطاة بكيس ، لم يسلم الاطفال القصر الأبرياء من الاعتقال ولا الشيوخ …….
كانوا يتفننون في التعذيب ، بطرق لا تخطر على بال بشر ، كان هناك معتقلون تهمتهم النظر بازدراء للجنود الأمريكيين ، أو كراهيتهم !!!!!!!!!! كنا نسحب بسلاسل مربوطة ، في الرقبة واليدين في ممر كبير ، ولا نسمع سوى أصوات وصرخات ، لأناس تتعذب …….. كانوا يحبسون أشخاصا بثوابيث لأيام عديدة ، يتنفسون من فتحات صغيرة فقط . شهدت اعتقال إمام مسجد كبير ، شيخ في الثمانين من عمره ، كان يحرض العراقيين ، ويحمسهم للمقاومة وطرد الأمريكيين ، جيء به مع أفراد أسرته ، ليلبسوه مايوه بيكيني ، في مشهد تندى له جبين البشرية ، كان الممر مملوءا بالماء ومكهربا ، مايجعل الشيخ الجليل يبدو وكأنه يرقص على أنغام موسيقى صاخبة ، كل هذا وهم يتضاحكون . جحيم حقيقي ، لا نوم ولا راحة أبدا …… كانت عندهم أوامر أن لا ينام السجناء . كان معي أطر وكوادر من خيرة الشعب العراقي ، علماء وقضاة وخبراء ، ثم الزج بهم داخل معسكرات التعذيب ، تهمتهم حب الوطن ، وعشق ترابه ، ومقت الأمريكيين الغزاة المحتلين . كانوا يساومونهم على الحرية ، والعمل كجواسيس مقابل امتيازات كبيرة ، أو التنكيل بهم …… لكنهم كانوا يختارون طريق الشجعان ، الأحرار البواسل ، ويفضلون المكوث في الأسر بدل خيانة الوطن ، فهم ليسوا للبيع ، لايشترون بل يقدمون أرواحهم فداءا لوطنهم الغالي ….. قد يضعف الإنسان لكنه لا يستسلم ولا يخون . كنت أشك أن هؤلاء الجلادون بشر مثلنا ، يحسون كما نحس ……. هم ليسوا ببشر هم وحوش ، بل شياطين حقيقيين ، يعشقون ويتلذذون بعذاب الآخرين .
بدأت رائحة أبو غريب تزكم الأنوف ، وتملأ رائحتها الكريهة الدنيا ، لكن لم يستطع أحد فعل شيئ . ولأن ليل الظلم قصير ، فلا بد لفجر الحرية ان ينبثق وينزاح الظلم ….. أخلي سبيلي وخرجت من سجني ، بعد تسعة أشهر من العذاب ، بعد أن تغدت الغربان على لحمي ، ومصت عظامي ، حاولت مداواة جروحي الجسدية ، لكن جروح النفس غائرة مميتة لا يمكن مداواتها …….
خرجت مهزوما مطأطا الرأس ، مهشم النفس ، أحمل أوزارا كبيرة ، أحسست أنني ميت ، وأمشي في جنازتي ، كنت ميتا لم يحن أجله بعد .
نعم خرجت جسدا بلا روح ، كم تمنيت الموت في سجني ، بدل موتي كل دقيقة على يد أوغاد محتلين ، لا قلب لهم ولا رحمة ، الغريب أنهم كانو يأخذون صورا مع المعتقلين ، كيف لهم أن يتجردوا من إنسانيتهم إلى هذه الدرجة
صور وهم يضحكون ، صور لأناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم ، صور مهينة ودماء على الأرض ، لأناس مكبلين بأغلال و لا حول لهم ولا قوة . رأيت أبطالا يعلقون لمدة أيام أمام أطفالهم لحد الموت …… كثيرون كانو يحاولون الانتحار ، بضرب رؤوسهم في الزنازن الحديدية ، حتى يرتاحوا من ويلات التعذيب والمهانة .
والآن وبعد أن تأكد العالم ، أن بوش وبلير هما مجرمي حرب ، وان الحرب لم تكن من أجل أسلحة الدمار الشامل ، ولم تكن من أجل محاربة الإرهاب ، لماذا لا يحصل العراق على تعويضات ، عن تدمير البلد وقتل وأسر الآلاف ، وتدمير لنفسية الأطفال ، الذين انتهكت آدميتهم ، واغتصبت طفولتهم في سجون الاحتلال ، وشبوا على الحرب والرعب ، ناهيك عن آلاف اللاجئين في مختلف الدول ، شأنها في ذلك شأن إسرائيل التي تستنزف المليارات ، من ألمانيا لضحايا الهولوكست في معسكرات النازيين ، لكن للأسف الشديد ، فالعالم يحكم من طرف عصابة من المجرمين ، تسوغ جرائمهم المنظمات الدولية .
لكن الجرح مازال غائرا يدمي ، والسوط يلهب ظهور العراقيين ، لكن الأشجار تموت واقفة ، ولانامت أعين الجبناء .
واأسفي على بغداد ، واحسرتاه على بلاد الرافدين ، لكن الفلوجة والرمادي وغيرها من المدن ، كتبت أسماؤها بدماء شهداؤها ، لتروي بطولات ومعارك ضارية ، فكانت مقابر للأعداء ، ذاقوا فيها الويلات لتعطي دروسا في البسالة .
وليبقى سجن أبو غريب وصمة عار في جبين الولايات المتحدة .
نعم دخلت بغداد ، وأنا في أوج صحتي ، وتوهجي وعطائي ، لكني عدت مثقلا بويلات الهزيمة ، والرعب والإحباط . استقبلت استقبال الأبطال ، وحملت على الأعناق ، كان عيدا لأسرتي بعد أن فقدوا الأمل برجوعي ، لانقطاع أخباري عنهم ، لكنني عدت ، ولم أعد فقد عدت لهم جسدا بلا روح ، روحي ماتت من القهر هناك ، ماتت يوم ماتت كرامتي.
عدت خيال مآتة ، عاد الطير لعشه مكسور الجناح ، جريح يئن من الألم والقهر …….. عدت وجسدي ضعيف ، لا يقوى على حملي ، عدت غريب النفس والروح ، مثقلا بالهموم لا أملك شيئا سوى ملابس تسترني ، ملابس عرفت قيمتها في سجن أبو غريب ، فليس هناك أغلى من ملابس تسترك ، وتواري سوأتك …….. كان كل عضو في جسدي ، ينطق ألما ويحكي قصة ، كنت أرغب بالبكاء ، أو بالعويل ، سكن الحزن قلبي وتربع فيه ، خاصمني النوم وجافاني وإذا نمت أصحى على كوابيسي المرعبة ، أشباح أبو غريب تلاحقني لا أرى سوى وجوه السجانين تطاردني ، وتريد خنقي ، ذكريات أليمة ، في منامي و في سهادي ….. يملأ صراخي البيت كله ، صرخة مكلوم لا يعلم وجعه إلا الله . حاولت نسيان ماجرى ، فلم أفلح ، فعقلي ظل سجين أبو غريب ، فقد سكنت روحه الملعونة جسدي العليل ، وحولت حياتي الى جحيم وتعاسة. بكت جدران بيتي من أنيني ، وأسمعت آهاتي من به صمم من الأحياء والأموات ، فقدت نفسي ، و سجنتها داخل غرفتي ، قفصي الجديد ، وقبري لكن هذه المرة كانت بمحض إرادتي ، كنت أقف في شرفة نافذتي ، وأمسك بقضبانها لساعات طويلة حتى أغفو أو أنام ……أصبحت غرفتي تابوتا مستديما لي ، سأعيش رغما عن أنفي ، بعد أن سئمت حياتي وزهدتها ……. أوصيت أبنائي اذا سأل أحدهم عني قولوا له أنني:
لازلت أسيرا في أبو غريب ، وغريبا في بيتي .