ذ . محمد الحجيري :
صدر مؤخرا للفنان والناقد التشكيلي المغربي شفيق الزكاري كتاب بعنوان “سرديات تشكيلية” حاول من خلاله الوقوف على تجارب تشكيلية غربية و عربية ومغربية على الخصوص بهدف تقريب تجاربهم من ذهن المتلقي.
كتاب سرديات تشكيلية تطرق فيه شفيق الزكاري لخمسين حكاية تشكيلية لفنانين أجانب و مغاربة موزّعة على فصلين، إضافة إلى ما يعادلها من صورٍ للوحات فنية تشكيلية، تربط بين مبدعيها وبين ما تناوله الزكاري عنهم في مقاربته لتُحفهم، ومن بين الفنانين التشكيلين المغاربة الذين عرض الناقد شفيق الزكاري تجربتهم ، الفنان التشكيلي القصري محمد بومديان أستاذ التربية التشكيلية بثانوية الطبري الاعدادية بالقصر الكبير و التي عنونها ب : ” محمد بومديان.. تعدد الفضاءات العابرة ”
محمد بومديان من مواليد سنة 1962 بجماعة سوق الطلبة دائرة القصر الكبير ، ولد في بيت طلاؤه أزرق نيلة لم يتعرف على والدته لأنه كان آخر من ولد ثم ودعت الحياة بعده، تكلفت عمته بما تبقى لأنها لا تلد.
أقام عدة معارض من بينها معرض لطلبة الفنون التشكيلية سنة 1983 بباب الرواح بالرباط، ومعر ض جماعي «إنشاءات وتجهيزات» بالحسيمة سنة 1986، ثم معرض جماعي بالعرائش سنة 1996، و معرض بمدينة القصر الكبير بسيدي بوحمد سنة 1998.
أنجز العديد من الملصقات وأغلفة الكتب، بالإضافة إلى عدد من الأعمال السينوغرافية الخاصة بالعمل المسرحي والسينمائي.
بدأت حكايته مع الفن التشكيلي، منذ الطفولة، عندما تكلف بتربيته جندي من عائلته، كان يمتهن النجارة، فأدخله عالم المادة واللون والشكل…، فصنع لعبا وتقدم بها في إطار المسابقات المدرسية الفنية، وأحرز على جائزة كانت عبارة عن دراجة هوائية، فحمل هذه اللعب وامتطى دراجته بحثا عن اللون الأزرق في الطبيعة، فكلما وجده أخرج هذه اللعب وصنع أفلامه الخاصة.
أنجز أخيرا الفنان محمد بومديان بعد مدة طويلة أعمالا جديدة ومثيرة للاهتمام، لأنها مرتبطة بالحدث واللحظة، تحت عنوان «أمل يتجاوز الخوف» التي تعكس هذه المرحلة وما تقتضيه من اتخاذ موقف اتجاه ما يجري بالعالم العربي، وما يتعرض له الأطفال والنساء والعجزة.. من قمع وتقتيل وتشرد، فكان عمله مباشرا يحمل أكثر من دلالة رمزية، سواء على مستوى التقنية أو الموضوع، فهو حسب عادته لا يدون أفكاره، فعندما يصطاد فكرة يضعها في ذهنه ويهرول مسرعا حتى لا تضيع منه، ثم يبحث لها عن مكان ليقدمها في غياب المشاهد ولا يقدم لهذا المشاهد سوى ما تبقى منها.
إن الحكاية التي تتضمنها أعمال الفنان محمد بومديان، تكمن في شخصيته التي تعتبر هي الأخرى خزانا لحكايات متعددة وطريفة، انعكست بشكل غير مباشر على طريقة تفكيره البوهيمية خارج المنظومة الحياتية العادية بذكاء وفطنة ملموسة وغير مرئية، إنها شخصية هادئة ومسالمة، عادة لا يبدي الفنان بومديان رأيه، إلا بعد تأمل عميق في أعمال الآخرين، ولا يتكلم كثيرا، بل يفصح عن ما يفكر فيه بالفعل الصادق، زاهد في الحياة، يفضل الحياد في المواقف ويعيش عالما خاصا به، مما جعله دائم البحث عن الأمكنة، بوجع الفنان القلق المهاجر والمتنقل بين دروب الفضاءات . مارس الرسم والصباغة والتصوير الفوتوغرافي، قبل أن يحط الرحال في جنس فني حداثي في فترة تاريخية مبكرة وهو التجهيز Installation، بطريقة تختلف عن المشهد الفني المغربي في هذا المجال، معتمدا على تنقلاته بحثا عن مكان مناسب لترتيب أيقوناته وتصويرها، قبل أن ينتقل بهذه الأيقونات إلى فضاء مغاير آخر، ليحتفظ في الأخير بصور كأثر لهذا العمل في علاقته بالفضاءات العابرة.
إن الجميل في تجربة الفنان الزاهد في كماليات الحياة محمد بومديان، هو ارتباطها بالحدث سواء كان اجتماعيا أو سياسيا، حيث الموضوع هو المحرك الأساسي، مما حرك فيه سكونه منتفضا ليعبر أولا عن طفولته وشغفه باللعب التي كان يصنعها، فكانت «الدمى» هي الوسيلة القريبة من تصوراته الممتدة عبر الذاكرة، في الماضي والحاضر، مع التركيز على اللون الأزرق النيلي، الذي ترك انطباعا في نفسية واهتمامات الفنان بومديان جماليا منذ طفولته، لتبقى تجربته برمتها شاهدة على كل لحظة متميزة عبر مسار متقطع زمنيا وممتد ذهنيا.