مساءلة عن الراهن الثقافي المحلي و بعض اشكالاته

2 نوفمبر 2025

بقلم ذ عبد الحميد الزفري

في احدى شهادات السوري ( حنا مينة) حول تجربته الروائية .ما يلفت الانتباه عندما اورد عبارة للشاعر التركي(ناظم حكمت) ” العيش شيء جميل يا صديقي ” اذ الدرس المستخلص منها ان قائلها امضى ربع عمره في السجون و مع ذلك كان يحس ان العيش جميل حتى و لو داخلها.لا تفاخرا بل زهوا بطاقة الانسان على احتمال قساوتها .الامر الثاني هو وصيته لابنه “محمد” في عبوره خلال هذه الحياة ( الا يكون كمستاجر بل كمن يقيم في بيت ابيه ).
الدرس الذي تمدنا به الوصية حسب فهم “حنا مينة” ان هناك عنصرين اساسيين من عناصر التواجد الحقيقي :اولهما حب الحياة مهما تكن قاسية و ثانيهما العيش الجميل كما لو ان الدنيا بيت اب .اذن و المرء يعيش حاضرا قاسيا و عنيدا لا يسعه الا ان يرتد الى ذاته لاسعادهايحتمي بمخزونه الثقافي على اعتبار انه البوابة الحقيقية التي لا تقبل الاعارة او المساومة الدنيئة التي تباع خلالها الذمم, و جذوة الحرف يخبو اوارها بدراهم معدودات لا ينتج عنهاالا التكرار و عدم مراوحة المكان.
المسالة ليست مسالة نصوص و انجازات و مهرجانات و تظاهرات بل هي حاجتنا الماسة المتعلقة بنضج الوعي و ارتقائه الذي بامكانه ان يعيد لما نحن فيه رونقه و بهاءه ,بعيدا عن اي تلوث يحول دون تقديم منتوجنا اية مادة للتفكير للقارئ املا في فتح نقاش يرصد عثار مقروئنا و مكتوبنا معا في قلب العثار الشامل الذي نحياه بكل سوءاته.
لم نرد بهذه المناسبة سحب مساءلتنا عما نحن فيه تحت ضغط انفعالاتنا بل سنحاول جرها الى مدارها الموضوعي الحيادي ابتعادا –ما امكن- عن ساذج الاحكام التي تغض النظر تجاهلا عن المفارقة الصادمة بين الملفوظ و المكتوب و بين ما تم السطو مع ادخال تغييرات طفيفة عليه سرعان ما ينجلي تهافتها.
مع تكاثر مثل هذه الاختلالات اخذنا نحس بافتقاد الادب و الثقافة عموما – الا في النادر-لقيمتها الجليلة في حياة النا س توارت معها المسافة مع كثير من الخلط بين ” كتب و قال و نقل و ابدع و حاكى…” بفعل تلوث الخيال و نضوب ينابيعه جراء ايقاف صاحبه تخصيبه عن طريق اثرائه بالمقروء و اعادة صياغته صياغة فيها اكتشاف للجديد.
هكذا مساءلتنا لا تتحدد في ” كيف” الارتقاء بممارسة كتابية تقوى على امتصاص المقروء بعد استيعابه لاننا لسنا اهلا لذلك اذ العملية رهن بصاحبها و مؤهلاته و المشاق التي يكابدها حتى تطفو على سطح كتابته دلالات و رؤى و طرائق جديدة.
السؤال اذن عليه ان يدور حول علاقة المبدع بالجنس الادبي الذي يكتب فيه و درجة المامه بالشكل التاريخي الذي اعطاه ولادة شرعية من قبل منظريه الذين ارسوا قواعده حتى ظفر بخصوصية مقامه الحقيقي وسط الاجناس الادبية الاخرى .
عندها يحق للمبدع المستوعب لكل مكونات النوع الادبي ان يتسيد على من هم دونه في الانتماء الى مثل كتابته و قد اسمع صوته من غير تخوف تاركا اياه يتردد صداه في فضاء بناه عن اختيار و قناعة ليحقق فيه جوهره كانسان باحث عن الحقيقة مستعيد في رحابه صفاءه الاول بعدما تخلص من ادران المادةوويلاتها في تازيم انسانية الانسان تجاه اخيه .
لا نحسب انه بوسعنا الاحاطة بحجم التطلعات التي نراهن على تحقيقها شوقا و توقا انما نحاول اختراق حجب الصمت المضروب احيانا يلجا اليه غالبية مبدعينا و مثقفينا كانهم يمرون بالحياة مرور السائحين “يتصومعون” في ابراجهم العاجية لا يكفي معها ان يصوغوا لنا كمتلقين هموم ذواتهم .محتاجون الى ما يمكن ملاحظته و بدقة فالحياة المنشودة لا تاتي الى النا س في بيوتاتهم عليهم ان يخرجوا اليها طلبا في ان يعيشوها بكل تلاوينها فاعلين مؤثرين لا مشاهدين محايدين.
من اين لنا دقة الملاحظة و نحن نطل على العالم من كوة البرج الذي نقيم فيه.من شان ذلك يضع المبدع في مختلف المجالات على هامش الحياة و ليس في قلبها .و حين يكون هامشيا فكيف يقبض على الاساسي و الجوهري في حيواتنا. اما اذا تخلى عما يعتمل في داخله تاركا له فرصة الاختمار الناضج يكون قد حرر نفسه من كثير من القيود التي تحد من انطلاقته .فحتى انفسنا لزمنا ان نضعها موضع التساؤل و ان نشك في افكارنا و خياراتنا من حيث اساليبنا في الكتابة و طروحتنا في البحث و التقصي .و كل ذلك من اصعب المهارات حينما نقدم على تطويرها خالعين عنا ثوب النرجسية بالتخلي عن”مركب العظمة” شعورا بالفرادة و الفذاذة و الموهبة الخبيرة باسرار الحياة.
على المرء مبدعا كان او متلقيا ان يحس في اعماقه كونه اسوا من يلاحظ نفسه لان من شان ذلك ان يدفعه الى ترميم تلك التشققات التي حدثت نتيجة ما حصن به نفسه و موهبته حتى يرفع عنها لبوس الوهم.
هكذا نود لكثير من الاصوات التي تطمع الى ابداع جاد او فعل قرائي بناء بعد النزوع الى معرفة موائمة لزمانها ان تستقيم حتى تقبض على تميزها بتمييز كتابتها و قد ارتبطت بواقعها الاجتماعي و بحمولتها الثقافية ارتباطا عضويا فانتهت لديها الكتابة الانشائية و غابت عندها النبرة الخطابية لتدخل بذلك الى مرحلة جديدة صلبة: ابداعا و تلقيا لان حجم الاخذ لا يكون الا بحسب حجم العطاء و كذا العكس.ذ عبد الحميد الزفري القصر الكبير في فاتح شتمبر 2025.

فاتح شتمبر 2025

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading