ضاع الوطن بين طوطو وشوشو

27 أغسطس 2025

بقلم الدكتور : عز الدين محمد البدوي

في زمنٍ يكون من يسوس الوطن هو أخناتوش، ومن يتولى وزارة العدل هو وهبي، ومن يتولى الأوقاف هو التوفيق، ومن… ومن… فلا عجب أن يكون فنان الجماهير وتاج الأوبرا وقدوة الناشئة هو العظيم المُبجَّل، الظاهرة فريد زمانه ووحيد قرنه، “الغراندي طوطو”!
الطوطوية والشوشوية هما نتاج سياسة ممنهجة تهدف إلى تشويه الفطرة السليمة والذوق الرفيع عند المغاربة، الذين كتب علينا أن نعيش تحت رحمة وطأة سياسة بئيسة تعيسة لا وطنية، سياسة العصا والقطيع، سياسة “نعاودكم الترابي… التغابي” بلكنة المربي العظيم! سياسة نهب خيرات هذا الوطن، وكأننا أقنان ننتمي إلى ضيعات أخنوش، لا علاقة لنا بهذه الأرض.
نعيش لاجئين في وطننا، نقاتل من أجل لقمة عيشٍ أو رغيف أسود.
ومن أرادت أن تأكله أمه، أو يُيَتَّم أبناءه، أو تُرَمَّل زوجته، فليقل: “اللهم هذا منكر!”. قالها المهداوي وهو يكتوي بنارها اليوم. ومن سولت له نفسه أن يتساءل عن مداخيل الفوسفاط والذهب والفضة، فعليه أن يتأمل حياة النقيب محمد زيان الذي زُجَّ به في غياهب السجن.
أما من سولت له نفسه أن يطالب بمستشفى للأمراض السرطانية وجامعة تليق بأهل الريف، فعليه بسيرة البطل ناصر الزفزافي ورفاقه. أما من أراد أن يعرف ضريبة الكلمة الحرة في زمان الأغيلمة والرويبضة، فلينظر في تاريخ بوعشرين والريسوني والراضي…
إذ طلع علينا هذا التافه المسمى “الغراندي”، ففتح علينا نار الكوابيس.
أعاد علينا مرة أخرى عفن الطوطوية، وزكمت أنوفنا رائحة الشوشوية.
ترى، هل عجزت الجهات المسؤولة في بلدنا ووطننا الحبيب أن تستدعي لإحياء بعض المناسبات من يقوم بهذا الدور؟ — دور التنشيط والفكاهة الهادفة والهادفة — ولنا والحمد لله من الفنانين والممثلين من يقوم بهذه الأدوار على أحسن الوجوه؟
وأحسن الشاعر قولًا:
تموت الأسود في الغابات جوعًا
ولحم الضأن تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير
وذو نسبٍ مفارشه التراب
وحدث ولا حرج عن الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات، أصحاب الرسالة النبيلة والهادفة، الذين ينتهي بهم العمر ويقودهم سوء تدبير الجهات المسؤولة وفسادها إلى الفقر والحاجة والعوز، في حين تنعم زمرة من التافهين والتافهات، الساقطين والساقطات، برغد الأموال، تُنفَق عليهم بسخاء.
وأحسب أن تيارًا جارفًا من الميوعة والخلاعة والتفسخ يبحث له عن موطئ قدم لينتشر في المجتمع المغربي الأصيل، كما تشتعل النار في الهشيم، بمباركة جهات جمعت بين السلطة والمال.
وليس هذا الذي وقع ويقع وسيقع وليد الصدفة، وإنما هي برامج ومخططات هدامة تُبَثُّ وتُدَاعُ وتُدَرَّسُ لتشويه الفطرة السليمة، والنزوع نحو الميوعة والانحلال، ومسخ الهوية، وطمس معالم التدين والارتباط بالأصول.
وكأننا في حاجة إلى أمثال: طوطو، شوشو، والدون بيغ… وشاكيرا، وغيرهم!
صاحبنا الطوطو هذا يستمتع بطريقته الفريدة في لباسه، إضافة إلى سرواله القصير الذي يجعله مفسوخ الأزرار، منزوع الحزام، حتى يتسنى للجم الغفير من الجماهير المُضَبَّعَة المُطَوَّطَة أن يكون لها نصيب أكبر وحظ أوفر، وتَنهل من معين السفاهة والسفالة وقلة الحياء.
يزيد الأمر جلاء في هذه السهرة من هذه النسخة الفريدة من مهرجان البؤس هذا الصيف، وقد اختار المخرج للظاهرة الكارثة قميصًا كُتِب على صدره بالخط العريض: “SALGOOT” — حتى لا يتأوّل أحدٌ قصده — ويمسك بسيجارته المُضَمَّخَة بالحشيش المحلي الإنتاج والتسويق من طرف عصابة حاكمة لها حصانة. ناهيك عن تلك العبارات النابية الساقطة التي يجعلها مقدمة، كأنها بهارات يُجَمِّلُ بها كلماته الوسخة التي تتموضع بين السرة والفخذين.
كأنك في حانة خمر أو في مرقص ليلي!
وأحسب أن شعار هذه النسخة هو: “السَلْݣطة، والتَسَلْݣيط، ورَبَاعَة السَّلَاݣط”!
وليس غريبًا أن تتجمّل مقرراتنا الدراسية في القابل من السنوات بوابل من النصوص المرفقة بصور الطوطو، ورقصات الشوشو.
وقد نجد امتحانًا إشهاديًا فيه نصٌّ يُمجِّد الطوطو ويرفعه مكانًا عليًّا في سماء الرذيلة والفاحشة، باعتباره ظاهرة لمرحلة جديدة نعيشها اليوم.
وأخوف ما أخاف منه — في ظل “تسديد التبليغ” — أن يجعلوا لنا خطبة ليس في فضح التفسخ والانحلال مع طوطو، بل أن ينبري بعض الخطباء في الترويج لحق الطوطو في التعبير في ظل مغرب الثقافات والانحلال والتفسخ، وهلم جرًا. بل ويجعلون في ديباجة خطبة — لا تبليغ فيها ولا تسديد —: “نحن بلد التميز، بلد الاستثناء، بلد التسامح” — طبعًا مع الفواحش —، “بلد الحريات” — طبعًا دعم الحريات الفردية، الشذوذ الجنسي، اللواط… —.
أما وأنتم أيها الطوطويون والشوشويون المشرفون على موازين العهر والدياثة وقلة الحياء، ألا يحق لنا — ونحن نعيش فوق تراب هذا الوطن، نشرب ماءه، ونتنفس هواءه — أن يكون لنا نصيب مما يُعرَض في منصات السويسي وشالة وأكدال، وحتى ساحات حي الرياض….؟
وحسبكم أيها الطوطويون أن الفن في العالم اليوم يتغنى بقضايا الإنسان، يتغنى بالحب، بالسلام، يتغنى بالحرية، بالكرامة، بالعدالة الاجتماعية.
ولكم أن تتابعوا — إن كان لكم حسٌّ وقليل من كرامة — بعض السهرات لمغنيين عالميين، حتى في فنون الراب والجاز والهيب هوب، كيف يوظفون سهراتهم، وكيف يختارون كلماتهم، ويجعلونها خدمة للتعريف بحقيقة العدوان الغاشم على شعب فلسطين الأعزل. يتغنون بالحرية لفلسطين، والموت الموت لإسرائيل: “Free, free Palestine…”. فنان الراب العالمي في ألمانيا (ماكليمور)، والفنان (ليل كين)، والفنان إيريك كلابتون في باريس، وفرقة الهيب هوب الإيرلندية (Kneecap)، وثنائي فرقة البانك بوب فيلان في مهرجان (غلاستونبري)، والفنان العالمي ماهر زين، والفنان المغربي المضطهد رشيد غلام، وغيرهم من أصحاب الفن الجميل، الذين تأبى وزارة التفاهة والخلاعة أن تبعدهم قسرًا عن منصات هذا الوطن، فتفرض علينا الوباء والقبح، وتمطرنا بوابل من القاذورات التي تجد لها مبررًا بأن لها جمهورًا واسعًا وعريضًا… إلخ.
وصدق المثل الإسباني: “إذا رأيت للأقزام ظلًّا طويلًا، فاعلم أن الشمس في طريقها إلى الزوال”.
وكم كنت أرجو أن تُوَجَّه دعوة خاصة للفنان القدير نعمان لحلو، فيتحف الحضور بأغنيته الخالدة:
“”بلادي يا زين البلدان، بلادي، بلادي
بلادي يا زين البلدان يا جَنَّات على حَدِّ الشوف
يا أرض كريمة مضيافة، وجمالها ناطق بحروف
بلادي يا زين البلدان يا جَنَّات على حَدِّ الشوف
يا أرض كريمة مضيافة، وجمالها ناطق بحروف.””
في سهرة جميلة عنوانها الجمال والفرح، تتخللها فواصل هزلية ماتعة وممتعة للفنان الكوميدي المتألق الدكتور باسو.
وختامًا، الفن رسالة جميلة ونبيلة يا طوطو، وليس تحرشًا ودياثة وقلة حياء.
الغناء كلمات رائعة وذوق رفيع، وليس سفاهة وفجورًا يا طوطو.
والإعلام سلطة رابعة ومسؤولية يا شوف تيڨي.
والوطن أمانة يا وزارة الثقافة.
والتربية والتعليم أساس تقدم الأوطان، وليس سهرات تحييها الشيخة شوشو في حفل التميز.
والاستثمار في التربية والتعليم والصحة أولى من هدر المليارات في الاستعداد لكأس العالم، وكذا في التفاهة والسخافة مثل “موازين العهر”.
أما إذا بقيت الأمور على هذا الحال، فهذا يعني أن البضاعة الفاسدة — وهي الأكثر — ستطرد البضاعة الجيدة.

Free, free Palestine (free, free Palestine)
Free, free, free Palestine (free, free, free Palestine)
No more murder, no more lies (no more murder, no more lies)
Free, free, free Palestine (free, free, free)
Palestina, Palestina
Oh-oh, Palestine in my heart
Palestina, Palestina
Oh-oh, Palestine in my heart..

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading