
د. محمد الحيرش
على الرغم من أن علاقتي بالقطط كانت ممتعة في فترة قصيرة من الطفولة، حيث كانت تعيش مع العائلة قطة جميلة، ناصعة البياض، منسجمة مع الجميع، لا تثير أي مشاكل، ولا تغادر البيت إلا لوقت قصير جدا ثم تعود بسرعة وهي منشرحة تحرك ذيلها بلطف وانتشاء؛ على الرغم من كل ذلك صارت علاقتي في فترات لاحقة بالقطط علاقة عادية لا تستهويني كثيرا ولكن أتعاطف معها، وخاصة حين أجد كثيرا منها على قارعة الطرُق بلا مأوى ولا مُعيل…
تذكرت يوم أمس هذه العلاقة الطفولية بقطة البيت حين رأيت القطتين الملتقَطين في الصورة وهما في قيلولة بحي قريب من الحي الذي أقطن فيه. أثارني مشهدُهما الرائع، فاقتربت بعدسة هاتفي منهما وإذا بالقط الذي يظهر وجهُه (أو القطة، لا أدري) يفتح عينيه ويتجه بهما نحوي ثم يعود بسرعة إلى قيلولته آمنا مطمئنا وكأنه تأكد أني غريب عن منطقته، وأني لست ممن تعودوا على مطاردته، أو ممن لا يتورعون عن إيذائه والمساس بكرامته …
تركتهما ولم يفارق مخيلتي منظرهُما… تذكرت وأنا أواصل المشي ما يقال عن عالم القطط وبعضَ ما يُكتب عنهم. قارنت ذلك بما يُكتب عن عوالم الذئاب والثعالب والدلافين والأخطبوطات وغيرها فبدا لي أن القطط تبقى أكثر غموضا وإلغازا من سائر الحيوانات، وفي ذلك يكمن ذكاؤها وجمالُها، بل ولربما تكمن
إثارتها وجاذبيتها …
من أجمل ما يمكن التغلب بقراءته على رتابة الصيف ثلاثية برنار فيربير (القطط غدا)، وهي عمل ممتع ينفذ بسخرية عميقة إلى عالم القطط وطقوسهم واستغرابهم من عالم الإنسان. وهذا مقتطف موجز من (القطط غدا):
“إن القط الذي يُعرَضُ عليه أن يتعلَّم العدَّ، أو أن يستجيبَ لكلمات محدَّدة، أو يُقلِّدَ حركات بشرية، سرعان ما يوحي لكم أن
ليس لديه وقتٌ ليضيِّعه في هذا النوع من الهُراء إذًا. إنّ القطّ يمتلك تفكيرَ… إنسانٍ بالغ عمرُه خمسون عاما