
– بقلم : الأستاذة سمية نخشى
أكره السياسة و مناوراتها و أمقت الخوض في غمارها ، لكن هناك دائما ، على أرض الواقع ، ما قد يستفز غضبك و قلمك و يجبرك على العودة رغم طول اختيارك الغياب .
فوجئت مثل الكثيرين بمشروع قانون رقم 25\19 ، يقضي بتجريم من يطعم أو يسقي أو يعتني بالحيوان الأليف: الكلاب و القطط الضالة و وتغريمه مبلغا ماليا يتراوح بين 1500و 3000درهم .
و انا على يقين أنني سأكون أول المجرّمين و المغرّمين ، لأنني أبدا لا أستطيع أن أمتنع عن مساعدة هذه الكائنات التي ذنبها الوحيد انها وجدت في الشارع ، على هذه البقعة من خريطة الكرة الأرضية، حيث يعجز مدبري الشأن العام فيها عن إيجاد حلول عملية و إنسانية في نفس الوقت ، تحافظ على الكائن و تحترم وجوده و حقوقه.
وحل المشاكل يكون عندهم دائما على حساب الحلقة الأضعف ، سواء تعلق الأمر بالمواطن : المتقاعد ، رجل التعليم ، الموظف البسيط….أو بنصف المواطن و هو هذا الحيوان الأليف الذي لا حول و لا قوة له.
ففي مواجهة أصوات المجتمع المدني و الهيآت الحقوقية الوطنية و الدولية التي تندد بعملية إعدام الكلاب و القطط الضالة. ، و أمام اقتراب موعد إستضافة التظاهرة العالمية لكرة القدم ببلادنا، ثم خوفا على المشهد العام و خشية من الانتقادات التي ستطالنا بخصوص الوضعية المزرية لهذه الكائنات الضعيفة ، لم تجد هذه الحكومة سوى حل واحد و هو : تجويع القطط و الكلاب الضالة و منع الناس من مساعدتها .
اللعنة….
أهكذا تصاغ القوانين؟
أهكذا تتفتق عبقرية المسؤولين عن قانون : ظاهره حماية المواطن ، صيانة البيئة و المحافظة على نظافتها و باطنه التخلص من هذه الكائنات البريئة بواسطة الإعدام النظيف عن طريق التجويع ، دون تكلفة مادية على الإطلاق و دون رصاص حي فيكونون في حل من دمها.
يبدو أن المحاصرة و التجويع أصبحت سياسة عالمية عابرة للحدود ، و نموذجا للاقتداء، فهو “أنظف ” وسيلة للقضاء على الضحية.
فبالله عليكم ، هل هذا هو الحل لمشكلة التكاثر العشوائي للحيوان الأليف الذي أصبح – من وجهة نظرهم – يهدد المظهر العام لشوارعنا و مدننا.
أليس هذا حلا همجيأ لمشكلة لم تنتبه لها الهيآت المسؤولة التي كان عليها منذ سنوات و عقود طويلة خلت ان تضع حلولا استباقية ، على غرار الدول المتقدمة ، تتمثل في انشاء الملاجىء و مراكز الإيواء مع التطعيم و التعقيم للحد من تكاثرها مع المحافظة على بقائها..
ألم يكن الأجدر الاقتداء بالنموذج التركي الذي لا يمنع أحدا من مساعدة الحيوان الذي يتمتع بكامل حقوقه في البقاء و و على افضل حال ، على مسؤولية الدولة التي خصصت آلات في الشارع العام لإطعامه و سقايته ، و هو يتجول بكل حرية و يتشارك الفضاءات السياحية و الساحات العمومية مع المواطنين و مع السواح ، يحمل وسمه الأصفر في أذنه علامة على تطعيمه ، و لا أحد يضطر أصلا لإطعامه لأنه لا يشكو جوعا ، فالدولة متكفلة بكل احتياجاته.
بالله عليكم ، هل يعقل أن تمنع المساعدة عن القطط و الكلاب الضالة قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتها و الاهتمام بها.
ثم لو تكفلت الدولة برعايتها هل سيكون هناك داعي لمثل هذا القانون. طالما لن يبقى هناك حيوان ضال.
لكن في غياب الملاجىء و مراكز الإيواء وهذا أول الإجراءات التي ينبغي على المسؤولين القيام بها ، مع إلزام المواطن بالتواطؤ ضد هذه الكائنات الضعيفة ، فهذا والله قتل مع سبق الإصرار و الترصد ، هو اغتيال للبراءة في هذا الكون.
رب قائل: هذا المشروع القانوني لمصلحة هذه ألكائنات و ذلك ربما لتقنين التبني .
المفروض ان دور القوانين هو تخليق الحياة العامة و تنظيم العلاقات الاجتماعية و الارتقاء بها ضمن معايير منطقية ، عقلية و أخلاقية .و الحال ان حكومتنا الحكيمة استهلت مشروعها هذا بمعاقبة المحسن قبل اتخاذ أي إجراء لحماية الكائن الضعيف.
كنت سارفع القبعةلو فعلا هيأت الظروف الملائمة ، قبل سن القانون الرادع، أما الردع قبل الإصلاح فهذا و الله عقم في المشاعر و منطق مختل يتنافى مع الفطرة السليمة و مع رجاحة العقل.
و لو نظرنا إلى الأمر من الناحية الحقوقية، أليس عارا علينا ، و نحن في الألفية الثالثة ان نلجألحكم الإعدام المبطن هذا في حق كائنات بريئة تتشارك معنا الوجود ، الأرض و الوطن
أليس هذا وطنها هي أيضا ، أليس الوطن انتماء و أمان .
ألم توجد هذه الكائنات على الأرض ملايين السنين قبل وجود الإنسان، تقدم له خدماتها دون شرط أو قيد أو مقابل .
هل نسينا دور القطط في الحفاظ على التوازن البيئي من خلال الحد من تكاثر القوارض التي تهدد الأمن الغذائي للإنسان بمهاجمتها المحاصيل الزراعية كما تهدد صحته بالأمراض مثل الطاعون .
الا تعتبر القطط مضادا طبيعيا للإكتئاب، بأصوات الخرخرة التي تصدرها و هي ذبذبات طاقة إيجابية للإنسان.
ألم يقدس المصريون القدامى القطط و اعتبروها رمزا للآلهة و
الحماية و الخصوبة .
ألم يرد في الحديث الشريف ” انها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم و الطوافات ”
و انه ” في كل كبد رطبة صدقة ”
ألا يظهر مبدأ المساواة في قوله تعالى ” و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ”
و من الناحية الإنسانية ، أليست مساعدة الحيوانات الضعيفة واجبا إخلاقيا ينبغي الالتزام به .
فهل يجوز أن أمتنع عن مساعدة قطة مرضعة أو قطيطات صغيرة فقدت أمها….
هل أتخلى عن عشرات القطط المرابطة بباب منزلي أطعمها و أسقيها و أعتني بها و لو مرضت احملها للطبيب البيطري ، هل أتركها لقدرها تموت جوعا
هل اتخلص من القطة التي عقمتها و التي تعيش بحرية متنقلة بين الخارج و بين منزلي.
هل أتخلى عن الكلبة الصغيرة التي تاهت عن أمها و انضمت لحظيرتي المتواضعة تنتظر مني ما يسد رمقها و يطفئ ظمأها.
هل اتخلص من الاكواخ الخشبية الصغيرة التي هيأتها لولادتها و لصغارها.
ارجوكم لا أحد يفتيني بتبني قطة واحدة داخل منزلي ، لأن مساعدتي للقطط ليست تلبية لرغبة في الاستمتاع برفقتها كأنيس أو كدمية جميلة متحركة أتسلى و ألهو بها بل هو اهتمام بالقطط الضالة التي لا مأوى لها لحاجتها هي لي و لغيري.
و لا أحد يسترسل معي في موعظة ان الإنسان أولى بالمعروف من الحيوان.
الإنسان مسؤول عن غيره من كل الكائنات التي خلقها الله و مساعدتها واجبة كانت إنسانا أو حيوانا أو نباتا ، كل من موقعه و حسب ظروفه و إمكانياته خاصة أمام تقصير المؤسسات.
ثم إن الاهتمام بالحيوان لا يلغي الاهتمام بالإنسان و لا يعرقله
أعرف أن الكثيرين يرحبون بهذا القانون ، لكنني مؤمنة بأنها قضية إنسانية و انا أناصرها. فحمايتهم واجب و مسؤولية ، الاعتناء بهم رحمة ، وجودهم اختبار للإنسانية و تجويعهم جريمة نكراء حتى و لو كان المبرر هو تنظيف الشوارع و المدن استعدادا لاحتضان كأس العالم 2030 .
هو حل سحري و غير مكلف بل مدر للمداخيل و الغرامات كما لن يتطلب ميزانية ضخمة لبناء الملاجىء و مراكز الإيواء و التطبيب و الإطعام : تجويع الحيوان و تغريم من يساعده ، و هذا من باب ” ضرب عصفورين بحجر واحد ”
كلنا في انتظار هذا الحدث العالمي و نحلم بوجه مشرق لمملكتنا الشريفة لا تخدشه مشاهد مضحكة مبكية مثل تجفيف الملاعب ” بالكراطات ” تثير سخرية الإعلاميين في كل أنحاء المعمور.
ثم إذا كان هذا القانون يسعى لتنظيف الشوارع و تزيين مظهرها العام و استبعاد أي تلوث بصري فما العمل مع جموع المتسولين و المشردين و المرضى العقليين الذين يجوبون الشوارع و يهددون أحيانا أمن المواطن .
هل ينبغي تجويعهم هم أيضا لإبادتهم ام ربما من الأفضل إحراقهم مثلما فعل ” نيرون ” حينما عزم على بناء روما جديدة ، فأمر بإحراقها ليلا و الشعب نائم
فاللهم اني استودعتك ارواحا بريئة تسبح لك .
اللهم رفقا بكائنات ضعيفة لا حول لها و لا قوة
اللهم احمها من القانون القاتل و من قسوة المواطن الذي لا يتورع عن تسميمها و دهسها بعجلات السيارات لتتناثر أشلاؤها معلنة ” موت الإنسان” قبل موتها
فلطفك يا الله.
ختما ،أعلن رفضي القاطع لهذا المشروع الذي حتما سيمرر قبل إيجاد البدائل اللازمة لحماية الحيوان الأليف.