
– بقلم : ذ . محمد الشدادي
في سياق الرهان على التعليم العالي كقاطرة للتنمية المجالية، جاء قرار مجلس جامعة عبد المالك السعدي بتحويل كلية القصر الكبير إلى مؤسسة تعنى فقط بالعلوم القانونية والسياسية، متجاوزا بذلك الرؤية الأصلية التي نص عليها المرسوم رقم 2.18.658 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 يونيو 2019، والتي أقرت بإنشاء كلية متعددة التخصصات تستجيب لحاجيات الطلبة وتنوع ميولاتهم.
إن الاقتصار على تخصص واحد لا يمثل إنجازا حقيقيا بل هو اختزال لطموح جماعي كان يؤمن بأن التعليم ينبغي أن يكون فضاء للانفتاح والتعدد والتكامل، لا للاستقطاب الأحادي. التجارب السابقة في مدن مغربية أخرى أثبتت محدودية هذا النموذج، حيث وضع الطلبة أمام خيار وحيد لا يعبر بالضرورة عن رغباتهم أو قدراتهم، مما أدى إلى تدني مستويات التحصيل، وانخفاض نسب النجاح، وتزايد الضغط الاجتماعي والاقتصادي الناتج عن الهجرة الجامعية نحو مدن تتوفر على تخصصات أوسع.
وتجدر الإشارة إلى أن مصادقة مجلس الجامعة تعد مجرد اقتراح تنظيمي، ولا تملك طابع الإلزام القانوني النهائي، إذ تبقى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار الجهة الوحيدة المخول لها المصادقة الرسمية على تغيير طبيعة الكلية. وفي حالة اعتماد نموذج التخصص الوحيد، فإن ذلك يستوجب اتخاذ إجراءات قانونية صريحة، منها إلغاء تسمية كلية متعددة التخصصات، وتبني التسمية الجديدة كلية العلوم القانونية والسياسية وهو ما يستلزم نشر تعديل جديد في الجريدة الرسمية، وفقا للمساطر الجاري بها العمل في تدبير مؤسسات التعليم العالي.
وفي ظل غياب مشاريع تنموية كبرى بمدينة القصر الكبير، يعتبر الحفاظ على كلية متعددة التخصصات ضرورة استراتيجية. فهي لا تقتصر فقط على توفير تعليم أكاديمي متنوع، بل تشكل فضاء علميا وفكريا حيا يمكن أن يسهم في خلق دينامية تنموية ثقافية واقتصادية داخل المدينة. الكلية حين تكون متعددة الروافد، تغذي المجتمع بكفاءات متنوعة، وتشجع البحث العلمي، وتستقطب فاعلين وشركاء من مختلف الحقول، ما يجعلها قاطرة تنموية حقيقية في مدينة طال انتظارها للإنصاف المجالي.
والمقلق أكثر هو محاولة بعض الاشخاص ترويج هذا التحول باعتباره إنجازا يبشرون ساكنة المدينة به، وهو ما يفرغ التعليم من نبله ويزج به في منطق المزايدات الظرفية. إن التأسيس لكلية يفترض أن يكون خيارات تنمويا استراتيجيا، لا مجرد ورقة في خطاب الحملات والمزايدات.
لذلك، فإننا نجدد الدعوة لكل غيور ومسؤول بالإقليم إلى الترافع الصادق من أجل تصحيح هذا المسار، والعودة إلى الرؤية الأصلية التي حملها المرسوم الرسمي، لتكون الكلية متعددة التخصصات، مفتوحة أمام جميع ألوان المعرفة، وحاضنة لأحلام شباب الإقليم في كل مجالات العلم والبناء.
وللعلم فتحويل الكلية المرتقبة إلى تخصص وحيد لا يمكن اعتباره إنجازا أكاديميا بل تبخيسا لطموحات مدينة كانت تنتظر عرضا جامعيا متعددا،
لأن الاقتصار على تخصص وحيد يقلص من فرص الطلبة بالمدينة وبالإقليم ويحرمهم من تعددية كانت موعودة، ولا يراعي مبدأ الإنصاف المجالي، و يختزل مستقبل المؤسسة في تخصص واحد، في مدينة تتطلع للتنمية.
َوإذا كان التعليم قضية مجتمعية، واختيارات اليوم تؤثر في مستقبل أجيال الغد،فهذا يتطلب من كل الغيورين على المدينة وعلى الإقليم من برلمانيين ورؤساء الجماعات وهيئات سياسية ومجتمع مدني التحرك قبل فوات الأوان للترافع لدى وزير التعليم العالي ومناشدته للحفاظ على التسمية الأولى للكلية المتعددة التخصصات كما هو مثبت في الجريدة الرسمية سنة 2019.