ذ : إدريس حيدر
أُقِيمت للسيدة ” مارغريت ” جنازة رسمية ، وذلك بإجراء قداس ديني في كنسية المدينة ،حضره ضباط من الجيش الإسباني و الحاكم المدني و نخبة من الإسبان المقيمين بتلك الحاضرة.
استمر البحث عن ” دا الحسين ” لمدة تزيد عن سنة إلى أن تم إيقافه بمحاذاة إحدى القرى النائية بجبال ” الريف ” و هو يرعى الأغنام و يمارس الفلاحة ،بعد أن وشى به أحد المقدمين المتعاونين مع الاستعمار.
في البداية تعرض ” دا الحسين ” لتعذيب رهيب و لاستنطاقات مطولة لا تتوقف، حررت بعدها الجهات المختصة محضرا مزورا ، أحيل بمقتضاه على المحاكمة.
كان الرجل مؤمنا بقضيته و معتزا بها ، كما تميز بكثير من الشجاعة و هو يواجه مصيرا غامضا.
وقف أمام القاضي ثابتا و صرح أمام الجميع :
“سيدي القاضي :
انا لست مجرما أو قاتلا بل رجلا يحب وطنه حبا وثنيا ،و مستعد للموت من أجل استقلاله و رفعته.
من جهة أخرى فقد كنت اعز السيدة ” مارغريت ” و أخدمها وقت ما طلبت ذلك و أينما شاءت .
و كنت اشك في كثير من ممارساتها المريبة ، و لكن سرعان ما كنت اُحَكِّمُ عقلي و اطرد تلك الشكوك من بالي و خلدي.
و في إحدى الليالي الممطرة و انا استعد لإقفال دكاني و الذهاب إلى منزلي ،شاهدت الضابط المكتنز يلتحق بمنزلها ،بعد أن طرق الباب بإيقاع معين .
قررت ،فجأة، أن أراقب هذا الحضور المباغث و الغامض و الذي استمر طويلا .
اقتربت من باب منزل السيدة ” مارغريت ” لأسترق السمع و كانت مفاجأتي كبيرة عندما أدركت انها كانت ضابطة سامية في المخابرات الإسبانية ،حيث كانت قائدة لكل عملياتها .
كانت ترفع صوتها و تعطي الضابط المكتنز الأوامر ،و تتهمه بعدم تنفيذها على أحسن وجه ،بل فهمت إنها كلفته بإيقاف السيد ” بنعلي ” إمام المسجد الذي كان من مناضلي الحركة الوطنية .
و بالفعل كان هذا الأخير قد اختطف ،و أُخِذَ إلى جهة مجهولة .
آنذاك تبددت شكوكي و تأكدت من حقيقة كانت غائبة عن الجميع و هي أن السيدة ” مارغريت ” تلك السيدة الطيبة كانت ضابطة سامية في المخابرات الإسبانية و إنها هي القائدة الميدانية لكل العمليات التي كانت تستهدف الوطنيين من : اعتقالات ،تعسفات، تعذيب …الخ.
و بعد معرفتي بحقيقتها التي صعقتني ،ترددت كثيرا في الموقف الذي علي اتخاذه ، كما أنني قررت أن لا أفشي السر لأحد إلى أن أنفذ عمليتي.
قررت إذن تصفيتها و تريثت في الأمر قليلا لكي لا أخطئ ،فلاحظت التحاق الضابط المنفتح، ثانية ،بمنزلها .
و صبيحة الغد أُلْقِيَ القبض ،مرة اخرى ،على ثلة من شباب الحي.
يتبع…
تشكيل : إدريس حيدر.