
– ذ . ادريس حيدر :
لقد تتبع المهتمون بغير قليل من الذهول ، و بصدمة كبيرة ، الخطابات السياسية التي تحوي ألفاظا بذيئة ، و الملقاة من طرف مسؤولين سياسيين و قادة أحزاب و محترفين للفعل السياسي ، بمناسبات عدة .
و من المعلوم ، أن الخطاب السياسي بأشكاله المتنوعة و المختلفة ، و الذي يُسْتَخْدَمُ من طرف الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب السياسية ، يكون عادة الهدف منه : الحصول على سلطة معينة عند حدوث أي صراع أو خلاف سياسي .
و هو في نفس الآن وسيلة تواصل ، يستعمل في الحقل السياسي للتأثير على الرأي العام ، و اكتساب السلطة ، و تصريف مواقف في القضايا السياسية و الاجتماعية المطروحة .
و يهتم الخطاب السياسي بالتعبير عن أفكار أو مواقف سياسية ، للتأثير على الفئات المستهدفة ، و عادة ما يرتبط هذا النوع من الخطابات بوجود أحداث معينة ، كالانتخابات النيابية أو البلدية…الخ .
و قد شهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ، خطابات سياسية غنية فكريا و نظريا ، و مقنعة بشكل مطلق .
و كانت تتميز بالعقلانية ، و التناغم ، و السلاسة ، و حاملة لرسائل سياسية محددة .
و قد تألق كثير من قادة الدول ، في خطاباتهم السياسية ، و على سبيل المثال لا الحصر : ديغول ، تشرشل ، كاسترو ، عبد الناصر ، ماو ، سيكوتوري …الخ ،
و كذا قادة الأحزاب و الحركات الاجتماعية : لينين ، دولوريس إيبروري ( باسيوناريا ) ، علال الفاسي ، الأموي ، ليش فاليسا …الخ .
كانت خطاباتهم نوعية و رفيعة و تحوي غير قليل من النبل السياسي .
و في هذا الإطار ، فإن ما تشهده الساحة السياسية المغربية بهذا الخصوص ، عبارة عن تراكيب لغوية غير متجانسة ، و تفتقد للمنهجية ، أو لخط ناظم ، بمعنى غير متناسقة ، و تتضمن سبا و شتما و إهانة في حق الغرماء السياسيين .
فقد وصف رئيس حكومة سابق ، رئيسها الحالي ب ” الشفار” أي ” اللص” ، كما وصف خصما سياسيا آخر ب ” الحمار” ، و في المقابل ، كان هذا الأخير قد وصفه هو الآخر ، ب” الذئب الشارف ” أي ” العجوز” ، و بعض الإعلاميين ب ” الشكامة ” أي ” الواشين ” و ” النكافات” ، كما وصف أحد رؤساء الدول الكبرى و الحليفة ب ” المذلول ” …الخ .
و إذن ، هل بهذه الصيغ ، يمكن أن نُغْنِي َ الحقل السياسي بخطابات جيدة ، مُؤَطِّرَةً للجماهير ، و مُسَاهِمَةً في نشر الوعي ، و مُحَرِّضَةً على استعمال العقل ، و ترنو إلى تحقيق أهداف سامية .
إن خطابات من هذا النوع الرديء ، تُحَرِّضُ على الكراهية ، و تُكرِّسُ العُدوانية ، و تُناهض حرية التعبير و الحق في الاختلاف .
إنها خطابات شعبوية ضحلة ، هدفها التضبيع و التهييج و التحقير و نشر التفاهة و الابتعاد عن الممارسات الفضلى.
فإلى متى ، يا ترى ، ستظل تطالعنا هذه التفاهات في الخطابات السياسية ؟
و هل بمثلها ستساهم هذه الجهات في تأطير المجتمع ؟
يقينا ، أن هذا النوع من الخطابات ، يُفرغُ العمل السياسي النبيل، من محتواه .
فكفى ، إذن ، من هذه الضحالة و العبث !!!.