مهرجان عبد السلام عامر بين ايجابي الامتلاء وخواء الاعتلاء

5 يوليو 2025
Oplus_131072

بقلم : الأستاذ عبد الحميد الزفري

للشاعر الحديث ناصيف اليازجي قصيدة بعنوان ” اعرف نفسك ” حيث يقول :
اني لقد جربت أخلاق الورى حتى عرفت مابدا وما اختفى
كل يعد نفسه نعم الفتى فمن هو اللئيم منا ياترى ؟
لو عرف الانسان عيبه لما رأيت عيبا فيه ما طال المدى
لا يشعر الجاهل بالجهل كما لا يشعر السكران ان صحا
لايحمد القوم الفتى الا متى مات ، فيعطى حقه تحت البلى
من قال لاأغلط في أمرجرى فانها أول غلطة ترى
ومن قال : غلطت في كذا وكذا ….. و ….. دون القفز على مواطن العلة لايجاد الحلول الأكثر فعالية فانه يظل مشلولا أمام السؤال الذي ينطلق من حاجات الواقع ورغبات أهله ، لا يجد نفسه سوى داخل الخيبات التي تمزق حلمه ، وبراكين من الرماد تعمي بصره فلا يرى في الشأن الثقافي ولا الفني الا مايشعر بالانهيار وهوس الاقتيات المذل للنفوس الذي يزداد امتدادا كلما كان حجم التظاهرة أكبر .
اننا نعيش وسط عالم محموم الخطى ، سريع الايقاع ، اذا لم تكن لدينا قدرة على استيعاب المستجد ، وملاحقة التشكلات التي بامكانها أن تدفع الاجتماعي والنفسي والفني والثقافي الى قيمه الرمزية الحقة ، بقينا مشلولين لا نبرح مكاننا ، وبقي شأننا الثقافي والفني طريدا داخل سويداء هذه المدينة ، تتحرق نفوس أبنائها ، طال انتظارهم في شوق الى هبة ندية ، تعيد لهذا المجال ، أو ذاك ، اشراقاته الأصيلة بمنأى عن نفاق الأخلاق ، ومقت السياسة ، وروح الوصولية التي تفرغ أي مهرجان من محتواه الحقيقي ، وأبعاده النبيلة ، لا كما حدث ويحدث مع كل دورات مهرجان عبد السلام عامر ، هذا الفنان الذي امتطينا صهوة اسمه فقط من غير محاولة ـ ولو في الدورة الأولى من المهرجان على الأقل ـ هتك أستار جهده الفني ، وراهنية وجوده بيننا رغم وفاته ، خصوصا عند ذوي الاختصاص ، وهم يعيشون
معنا ، أرهفنا السمع لبعضهم حتى أدركنا مدى الحقائق الغائرة والأسرار العميقة ، التي كانت تركن وراء شخصيته بدل الوقوف عند حدود ماهو فلكلوري غنائي في أغلبه رديء يكاد يقتل نسخ الحياة فينا ، عوض أن ينفخ في أوصالنا وشغاف قلوبنا سحره الموسيقي من خلال روائعه تؤدى بأصوات غضة طرية يفتح لها المجال ، فتمنح لها جوائز مالية حتى تجلي خباء عالمها المخفي ، وبذلك تحقق فتوحا جديدة بعد استرشادها بأهل الذوق والوجدان ، لكن للأسف كما قال الشاعر :
صور العمى شتى ، وأقبحها اذا نظرت بغير عيونهن الهام
ان اعتلاء المرء صهوة المهرجان دونما ملئه بما هو ايجابي بناء ، انما يفعل ذلك لافتقاده الاحساس بمدى خصوبة من شكل واحدة من تمظهرات المدينة ، فطبيعي ألا يقوى للقبض على اللحظات الأكثر تأثيرا في الماضي الفني للأغنية المغربية ، الى درجة جعلت الموسيقار محمد عبد الوهاب يحتفظ بأسطوانة رائعة عبد السلام عامر ” القمر الأحمر ” في خزانته الموسيقية .
هي لحظات كان بودنا استرجاعها خلال هذه المهرجانات بدل أن تفر منا كلما أمعن بنا الزمن في الابتعاد عنها ، اننا بحاجة الى ما أبحر فيه سرد ” مارسيل بروست ”
( بحثا عن الزمن المفقود ) حتى نستعيد التفاصيل المؤثرة لا للموسيقي عامر ولا للشاعر الخمار ….. ولا التي بدد بعضهم شيئا من بقاياها ، وضبب بعضهم الآخر الرؤية السليمة عوض أن نوفي حق كل من أسس لذاكرة هذه المدينة المعطاء ، ما منحنا الانصات لموال جميل فيه جدة ينبعث من بعيد وقد اخترق تاريخا فارقا ، نود له أن يتجاوز حاضرا خائبا ، ونحلم به أن ينيرأفقا قاتما .

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading