بيان لجنة تقييم السياسيات العمومية المحلية بمركز ليكسوس للباحثين الشباب،حول سياسة توحيد اللون الرمادي بمدينة القصر الكبير

24 يونيو 2025

_ خديجة الشرقاوي ،رئيسة مركز ليكسوس للباحثين.

في سياق التحولات التي تعرفها السياسات العمومية المحلية بمدينة القصر الكبير، يبرز مركز ليكسوس للباحثين الشباب كمنصة فكرية تسعى إلى فهم وتحليل أثر هذه السياسات على الهوية الجماعية والمجال الحضري. ومن بين القرارات التي أثارت جدلاً في مدينة القصر الكبير، تلك المتعلقة بتوحيد اللون الرمادي كمعيار موحد لطلاء الواجهات الحضرية، وفقًا للمقررين الجماعيين رقم 273/2099 ورقم 47.

مدينة القصر الكبير، التي لطالما ارتبطت في الذاكرة الجماعية بلونها الأخضر، تجد نفسها اليوم أمام إعادة تشكيل لهويتها البصرية من خلال اعتماد لون جديد يُفترض أن يُجسّد الحداثة والتنظيم. غير أن هذا اللون – الرمادي – يثير تساؤلات تتجاوز البعد الجمالي إلى عمق الهوية الثقافية والانتماء الرمزي.

فاللون الأخضر لم يكن يومًا مجرد خيار بصري، بل شكل على مرّ السنوات رمزًا للخصب، الحياة، الطبيعة والانتماء. إنه لون يستحضر ارتباط المدينة بمحيطها الطبيعي، بسهولها ومجالها الزراعي، ويعكس هويةً محلية نابضة بالحياة، ترسّخت في وجدان الساكنة كمكوّن من مكونات الذاكرة الجمعية. إن اعتماد اللون الأخضر في الواجهات، كما في المشهد العام، كان يُضفي على المدينة طابعًا بصريًا متناغمًا مع بيئتها وثقافتها.

في المقابل، يُطرح اللون الرمادي في هذا القرار الجماعي الجديد باعتباره لونًا موحدًا ومُنظمًا، يُفترض أنه يرمز إلى التوازن، الحياد، أو حتى الحداثة. لكن من منظور فلسفي وجمالي، يحمل هذا اللون دلالات معقدة، فهو من جهة يُعتبر لونًا صامتًا، حياديًا، خاليًا من الانفعالات، ومن جهة أخرى قد يُفهم كرمز للغموض، البرود، أو حتى الرتابة والجمود. وفي علم النفس اللوني، يُستخدم الرمادي أحيانًا للتعبير عن اللاموقف أو غياب الحيوية، وقد يقترن أحيانًا بإيحاءات مرتبطة بالكآبة أو الانفصال العاطفي.

ورغم أن الهدف المعلن من اختيار هذا اللون يتمثل في تحديث المدينة وتوحيد طابعها الجمالي، فإن القرار يطرح تساؤلات جوهرية تتجاوز البُعد التقني أو الهندسي لتلامس قضايا أعمق:

🟢هل يحق للجماعة فرض لون موحد على المجال العام دون استشارة المواطنين؟
🟢ما دلالات هذا اللون في الوعي الجمعي لسكان المدينة؟
🟢وهل نحن أمام شكل من “العمى اللوني الإداري” الذي يتجاهل الرمزية والتاريخ والخصوصية الثقافية للمجال؟

إن سياسة توحيد اللون الرمادي لا يمكن قراءتها منعزلة عن السياق السياسي والاجتماعي والثقافي، فهي تعكس إرادة سلطوية في إنتاج فضاء حضري متجانس بصريًا، لكنه قد يكون متنافرًا وجدانيًا مع سكانه. فحين يتحول اللون من مجرد طلاء إلى أداة تنظيمية، يغدو أداة للسلطة، تهندس الذوق العام وتفرض تصورًا معينًا للحداثة، ربما لا يُعبّر عن عمق المدينة ولا عن ساكنتها، بل يفرض قطيعة مع رمزية اللون الأخضر الذي شكّل أحد أعمدة الهوية البصرية لمدينة القصر الكبير.

توصيات مركز ليكسوس للباحثين الشباب تنصب على :
👈ضرورة إشراك المواطنين،والمجتمع المدني، ومهنيي التصميم الحضري، والفنانين، والمؤرخين، في اتخاذ مثل هذه القرارات. فاختيار اللون في السياسات العمومية لا ينبغي أن يكون قرارًا تقنيًا فحسب، بل عملية تشاركية تحترم الذاكرة، وتحاور الحس الجمالي للمجتمع المحلي.

👈كما يدعو المركز إلى فتح نقاش عمومي حقيقي حول هوية المدينة البصرية، لأن اللون – وإن بدا أمرًا بسيطًا – هو لغة غير لفظية تُبنى بها الذاكرة الجماعية، ويُعاد بها تشكيل علاقة المواطن بمجاله. إن كل لون يحمل رسالة، والرسالة التي يبعثها اللون الرمادي لا يمكن أن تكون حيادية في مدينة تتنفس منذ قرون بلون الحياة… الأخضر.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading