
بقلم : لبيب المسعدي
أليست الحياة في جوهر مدينتي ضربا من الرمادي؟ فنحن لا نعيش في سواد اليأس المطلق، ولا في بياض الأمل الخادع، بل في المسافة الواسعة بينهما، حي تتشابك الأحلام مع الواقع في خيط رفيع كالدخان (رمادي أيضا) حتى الفرح بالقصر الكبير يأتي باهتا. كضوء شمس (رمادي أيضا) يخترق سحاب بداية الخريف ثم يختفي.
الرمادي هو اللون الوحيد الذي لا يخدع به أحد. فهو لا يعدك بفرح زائف، ولا يخفي تعبك تحت ألوانٍ صارخة. كأنه اعتراف فني بالهزيمة، بالفشل تارة وبفقدان الأمل تارة أخرى. مع ذلك يرفض أن يكون حداد. إنه الصمت الذي يسبق العاصفة، أو الهدوء الذي يليها.
في النهاية، قد يكون هذا اللون الحزين الذي يروج له أصدقائي في الأغلبية المنتخبة كلون رسمي للمدينة اعترافا صريحا : نحن لسنا أسود ولا أبيض، نحن ظلال تبحث عن معنى في مدينة ترفض أن تكون إلا مرآة لغيومنا. فلتكن الرمادية إذن، فلربما وجدنا في حيادها ملاذا من ألوان العالم الزائفة. اختاروا للمدينة اليوم لونا رسميا، وكأنهم يختمون مصيرا طالما كتبناه بأقدامنا على أرصفة لم تعرف سوى درجات الظل في ألوان البشر وحتى الحجر.