
بقلم : ذ . عبد الرؤوف الزكري
يجنح كل حديث نظري حول النفس البشرية في استقرارها أو اضطرابها، إلى الاستدلال بكم من الأبحاث والدراسات، التي يسعى من خلالها أصحابها إلى التأكيد على جملة أمور، تعد حقائق. من قبيل: أن الرضى المهني، لا يستقر في نفس الشخص، إلا إذا زاول مهنة تتناسب ومستواه التعليمي. لأن هذا التناسب، من شأنه أن يبعث في نفس صاحبه كل معاني الثقة والطمأنينة. حيث إن الرقي المهني كما هو في العرف الاجتماعي، جالب للتقدير، ويعلو بصاحبه إلى المكانة التي تسعده. وإلا كان الاعتزال والنفور من كل اجتماع بشري، مادام لن يمنحه الحظوة والنظرة الاجتماعية المحترمة التي هي حاجة فطرية، وجب تلبيتها.
لكن هذا المعمار النظري تهاوى على حين غرة، وظلت تدخلات صاحبته المحللة النفسانية شاردة، في سياق تحقيق صحفي تناول ثلة من حملة الشهادات الجامعية، عصفت بهم الأقدار إلى امتهان حراسة المركبات أو سياقتها. حيث لم يفارق الحمد والثناء على ما هم فيه من نعم، لسانهم ندي بعبارات الرضى، ومعاني الإيمان بالقضاء والقدر. ومما قد يفاجئ المتابع لتدخلاتهم رفعة أسلوبهم ورقته، والحكمة تغلف جل خطابهم، وما أبداه البعض منهم من فعالية مدنية، و ما خاضه من عمل تطوعي في تقديم دروس التقوية لأبناء الحي بكل أريحية ونشاط. ولعل مرد هذه البحبوحة التي يرتعون فيها، ذلك القدر غير القليل من الشحنة الإيمانية، التي تتمنع عن الخضوع لقانون المختبر ومبضعه، لكنها تدرك لكل من تأمل الحديث النبوي: عجبا لأمر المؤمن، أمره كله خير…