حين يصبح الاحتلال بريئًا والمقاومة متهمة”

31 مارس 2025

بقلم : ذ . عبد المالك العسري

منذ اندلاع العدوان الأخير على غزة، تكررت نغمة تبرير الجرائم الإسرائيلية بتحميل المسؤولية لحركة حماس، وكأن هذه الأرض لم تكن محتلة قبل تأسيس الحركة، وكأن المجازر بحق الفلسطينيين بدأت فقط عندما ظهرت المقاومة المسلحة. هذا المنطق المقلوب يتجاهل جذور الصراع وحقائق الاحتلال، ليصبح بمثابة ورقة تبرئة جاهزة لآلة الحرب الإسرائيلية.

لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدقيق لاكتشاف زيف هذه الادعاءات. فإسرائيل لم تكن يوماً بحاجة إلى مبرر لقتل الفلسطينيين، ولم تتوقف اعتداءاتها على غزة في الفترات التي هدأت فيها المقاومة المسلحة. بل على العكس، كل محاولات التهدئة كانت تُستغل لتعزيز الاستيطان، وتشديد الحصار، وتوسيع نطاق القمع في الضفة الغربية. لكن مع كل تصعيد، يظهر من يلوم الضحية ويجردها من حقها في الدفاع عن نفسها، وكأن المطلوب من الفلسطيني أن يرضخ لمصيره المحتوم دون مقاومة.

هذه المقاربة ليست فقط منحازة أخلاقياً، بل إنها متواطئة سياسياً. إذ أن تحميل المقاومة المسؤولية عن العدوان يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر لمواصلة جرائمها، ويمثل غطاءً إعلامياً لتبرير القتل والتدمير. والأسوأ من ذلك، أنه يسهم في ترسيخ عقلية الاستسلام، ويصور الاحتلال وكأنه قدر لا فكاك منه، بينما المقاومة هي المشكلة التي يجب التخلص منها.

من يصر على تحميل حماس مسؤولية ما يقع في غزة، عليه أن يجيب أولاً عن سؤال بسيط: ماذا عن الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا قبل نشأة الحركة؟ ماذا عن المجازر التي ارتُكبت منذ النكبة، حين لم يكن هناك لا حماس ولا مقاومة مسلحة؟ الحقيقة التي يحاول كثيرون طمسها هي أن إسرائيل قائمة على مشروع استيطاني إحلالي لا يحتاج إلى ذرائع لمواصلة توسعه، سواء كانت حماس موجودة أم لم تكن.

ما يحدث في غزة ليس معركة بين إسرائيل وحماس، بل هو فصل آخر من فصول القمع الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين. والمشكلة ليست في رد فعل الضحية، بل في وجود المحتل نفسه. أما من يصرون على الترويج لرواية تحميل المقاومة المسؤولية، فهم إما يجهلون التاريخ أو يتعمدون ليَّ الحقائق لصالح رواية تُشرعن الاحتلال وتقلب الحق إلى باطل.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading