بقلم : ذة مليكة حميحم
تأتي ذكرى ليلة القدر بكل طقوسها الدينية ونفحاتها الروحانية ، فتلهب فينا الفرح والحماس نحن الكبار قبل الصغار ، فهذه الليلة عند جميع المغاربة هي ليلة الذكر والتقرب إلى الله والاستمتاع بالاجواء الرمضانية المغربية الاصيلة ، وهي ليلة الفرح عند الأطفال ذكورا واناثا ، فالاولاد يلبسون الجلباب والطربوش والبلغة او القندورة ، اما البنات فيرتدين القفطان او القميص والدفينة ويتزينن زينة العروسات ، مع طقوس الحناء الرائعة و صيامهم لأول مرة اليوم كله وأو بعضا منه ، وعند حلول اذان المغرب يصبح هؤلاء الأطفال نجوما ونجمات الماءدة و المحتفى بهم بامتياز ، و بعد تناول الإفطار يتوجه الاطفال وذويهم بكامل الاناقة التقليدية المغربية إلى المساجد ،لإحياء ليلة القدر خير من ألف شهر ، الليلة المقدسة عند الشيب والشباب ، فتتعالى أصوات الأدعية والأبتهالات وتعطر الأجواء روائح البخور و الطيب داخل المنازل وخارجها ، لتأتي بعدها جلسات التصوير ، حيت ينتظر الاطفال واسرهم دورهم للتصوير في استوديوهات المدينة ، التي تشهد إزدحاما كبيرا بسبب الإقبال المتزايد عليها ، مما دفع بها في السنوات الأخيرة إلى توفير عدة فضاءات خارجية للتصوير تشبه قاعات الاعراس من عمارية وهودج لحمل العرسان الصغار والفرحة تنط من عيون الجميع بأضواء بمختلف الألوان وفرق موسيقية تشعل الاجواء حماسا وحبورا ،
و بعدها يتم الرجوع إلى المنزل حيث يكون بالانتظار الطبق المفظل عند جميع المغاربة الفتات او الرفيسة بالدجاج البلدي المزين باللوز والبيض المسلوق او الرزيزة او طبق الكسكس الذي لا يعلى عليه ابدا.
بالنسبة لبناتي فهذه العادة الأصيلة لا تقف عندهن في أول مرة لصيامهن فهن يتشبتن بها كل سنة رغم انزعاجي منها في بعض المرات …
و لعل من أطرف المواقف وأصعبها ، تلك التي عشناها في إحدى الأيام الرمضانية وتحديدا يوم السادس والعشرين من سنة 2001 ، كنا انا وجميع اخواتي في منزل الأسرة بسيدي الرايس مجتمعين حول أبي الذي اشتد المرض عليه ، و كنا نحمل المصاحف ونقرأ ماتيسر من السور القرآنية بالقرب من سرير أبي ، بقلوب خاشعة و عيون دامعة ، فقد كانت حالته لاتبشر بالخير خصوصا بعد انسحاب الطبيب ، وكان بين وقت كل صلاة يأتي خالي و اولاد خالة امي للاطمئنان على أبي وقراءة القرآن على مسامعه ، في قلب هاته الأجواء الحزينة كان لابنتي الصغرى مشكل أخر من نوع أخر ، فقد أصرت على أن تتزين لهذه الليلة وتنقش يديها بالحناء ، وذلك في الروض الموجود قبالة منزلنا و الذي كان قد استعد لإحياء المناسبة بكل طقوسها من حناء الفتيات وتزيينهن ، وكانت صغيرتي تذهب هناك وترجع وكلها شغف ورغبة ، وقد ألهبت فيها رؤية أقرانها جدوة الاصرار للقيام بذلك ، وأمام رفضي التام إتجهت لأمي رحمة الله عليها التي كانت تقدس وتتفهم فرحة الاطفال كباقي الأمهات المغربيات فوافقتها على ذلك وسمحت لها بقطع شارع منزلنا والدخول للروض لمزاولة طقوسها المفضلة وبالفعل كان لها ماأرادت و عادت وقد تزينت وكأنها عروس صغيرة، ورغم ماكنا فيه من حزن و أسى على أبي المحتضر فقد أخدتها أمي وقبلتها وأجلستها قرب أبي وقالت لها بدعابتها المعهودة :تعالي ألحبيبة اجلسي قرب جدك قد يأتي عزرائيل في أية لحظة فيجدك بهذه الزينة فيأخدك بدل من جدك. !!!!! ولكن الصغيرة لم تهتم ولم تفهم ما يدور كان همها الحنة والتاج واللباس والمكياج وبرنامج باقي اليوم البهيج !!!
لقد كانت ليالي مشهودة سهرنا فيها متحلقين حول أبي الى ان أسلمت الروح إلى بارئها في في يوم 27 من رمضان بعد صلاة العشاء ؛
فارقنا أبي وكانت أول لوعة الفقد في حياتنا فقد كان كل حياتنا ، كان المعلم الأول ومثلنا الأعلى في الحياة ، في كل شهر رمضان ونحن نحيي طقوسه العظيمة ، نتذكر من كبر و ربى ومن غادرنا من احبابنا وترك لنا الآثار الطيبة وعطر الصيت الأصيل.