أعدتها : أمينة بنونة
حلقات : رمضان وكتاب: رحلة في الفكر والتأمل الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية في فكر سيلا بنحبيب
– من تأليف :د عزيز الهلالي
تعد سيمون دي بوفوار من أكبر المنظرات في هذا الاتجاه. فكتابها “الجنس الآخر” يعتبر إنجازا بالغ الأهمية، حيث أبانت عن قدرتها التحليلية في رصد الحقول المعرفية والدينية والأسطورية…التي تناولت موضوع المرأة. فالإشكال الذي تنطلق منه دي بوفوار، هو إشكال البناء الثقافي الذي يحمل إرثا سلطويا وأبويا. ليس هناك “قدرا بيولوجيا” للجنس، إنما نضفي على مقولة الجنس تأويلات ثقافية تقود إلى اصطفاف النوع في خانة المؤنث أو المذكر.
تعتقد دي بوفوار، في بداية مشوارها، بأن الاشتراكية وحدها قادرة على وضع حد لمعاناة المرأة وليس الأنثوية. كان هذا واضحا في منطوق خطابها عندما قالت: “أنا لست أنثوية، لأنني أعتقد أن مشاكل المرأة ستجد حلها تلقائيا في سياق التطور الاشتراكي”. لكن، في إطار ترسيخ قيم راديكالية جديدة عدلت دي بوفوار من موقفها وباتت تنظر إلى قضايا المرأة على أنها رهينة بخوض صراعات نسوية مستقلة في إطار مقولة الصراع الطبقي. ومن هنا، تكون دي بوفوار قد عملت على قلب إستراتيجيتها التي انطلقت من الأنثوية نحو الاشتراكية. وبالرغم من التزاماتها الاشتراكية، فإن كتابها “الجنس الآخر” بقدر ما يحيد عن تبنى تحليل ماركسي تقليدي، بنفس القدر ينغمس في توظيف الفلسفة الوجودية. كان ذلك واضحا من خلال انتقاء مفاهيم وجودية مثل: “المرأة محايثة والرجل متعالي”. وفي هذا الانعطاف الوجودي، تنتقد دي بوفوار المطلق الماركسي الذي تمثل في مفهوم “نهاية الطبقة الاجتماعية”. فالتغيير المنشود، لا يتحقق إلا من خلال حركة طبقية دينامية. وفي هذه الحركية، يعد الفرد المحور الأساسي من حيث إنه شخص مسؤول. فهل “ملأت النظرية الوجودية ثغرات النظرية الاشتراكية؟”
تقف دي بوافر عند أهم مفصل، وهو النظر إلى المرأة بوصفها جوهرا ثابتا. وهذا يتنافى مع مقومات النظرية الوجودية التي تتماسك عناصرها في اللحظة الوجودية أولا ثم الماهية ثانيا. تقول دي بوفوار “لانولد امرأة ولكن نصير كذلك”. ففعل الصيرورة الوجودية يصاحبها المسؤولية في الاختيارات المستقبلية، اختيارات لا تلغي الآخر ولا تلغي وعيه. فالمرأة من حيث أنها مشروع تتشكل ماهيتها كفاعلة في هذا العالم، من خلال النقلة الوجودية من الشيء في ذاته إلى الشيء من أجل ذاته.