من الذكريات المؤلمة لأستاذ بمنطقة نائية

8 مارس 2025

بقلم : الأستاذ عبد المجيد بوزيان

في لحظات من حياتنا، قد نجد أنفسنا على حافة الهاوية، فتلك اللحظات تبقى راسخة في ذاكرتنا، تذكرنا بقوة الصدمات التي نتعرض لها، ومن هذه الذكريات المؤلمة، ذكرى أستحضرها كلما حل شهر رمضان المبارك، ارتأيت نشر أحداثها في مواقع التواصل الاجتماعي ليتعرف عموم الناس على مدى معاناة نساء ورجال التعليم العاملين بالمناطق النائية.
قبل إحالتي على التقاعد بعقدين من الزمن، كنت أشتغل أستاذا بإحدى القرى النائية باقليم العرائش معروفة باسم دوار القليعة، يوجد على قمة جبل يطل على قرية السبت بني كرفط من جهة الشمال ودوار المعيزيين ووادي المخازن من جهة الجنوب وعلى قرية خميس بوجديان من جهة الشرق، وللوصول إلى هذا الدوار لابد من صعود الجبل مشيا عل الأقدام، ونظرا لصعوبة مسالكه ووعورتها وخصوصا في فصل الشتاء، كنت أستقر به كل أيام الأسبوع باستثناء يومي السبت والأحد، وفي نهاية أسبوع ماطر، وقد كان الأسبوع الأول من شهر رمضان الكريم، وكعادتي غادرت الدوار متوجها إلى مدينة القصر الكبير عبر وادي المخازن، وبعد ساعة ونصف من المشي وأنا صائم بطبيعة الحال والأمطار تتهاطل، وجدت الطريق مقطوعا بسبب ارتفاع منسوب مياه الوادي، فكنت مضطرا للعودة من حيث أتيت وصعود الجبل عبر مسالكه الصعبة، لأسلك طريقا آخر لم يسبق وأن استعملته، يربط دوار القليعة بقرية السبت بنى كرفط. وأنا في طريقي إلى هذه الأخيرة بدأت الأمطار تتهاطل بغزارة أكثر مما كانت عليه، وفي منتصف الطريق وجدت نفسي أمام طريقين، ولم أعرف أيهما الذي يؤدي إلى قرية السبت بني كرفط، ولا أثر لمن يمكن أن يرشدني إلى الطريق الذي أنا في حاجة إليه، لأن المنطقة حيث أوجد هي عبارة عن أراضي فلاحية تم حرثها عن آخرها، ولا وجود لتجمع سكني قريب، إلا أنني اعتقدت أن صعود عقبة سيبعدني عن نقطة الوصول، لذلك اخترت الطريق الثاني. ولما طال بي المشي على هذا الطريق أكثر من ثلاث ساعات، وزادت حدة الأمطار والرياح التي تعصف من كل جانب، وأصبحت الرؤية محدودة، أدركت يقينا أني قد ضللت الطريق في وقت أصابني فيه العياء والإرهاق لدرجة أنني لم أعد قادرا على الحركة جراء المشي في المسارات الترابية التي تحولت إلى أوحال زلقة، وجراء اجتيازي للجداول المتدفقة الجارفة التي اعترضت سبيلي، وفي هذه اللحظات الحرجة التي شعرت فيها بالعزلة والضياع، حاولت الحصول على مأوى يحميني، فإذا بي أرى راعيا في قمة الهضبة يحتمي وغنمه من الأمطار تحت شجرة وارفة ومورقة، وقد منحني وجوده طاقة اضافية للوصول إليه في وقت قياسي، فهو الذي أخبرني أني قريب من قرية ثلاثاء ريصانة ولم تبق إلا مسافة قصيرة إليها، وقد كانت تبدو لنا بوضوح، شكرت ربي على الانفراج الذي حصل، وتوجهت إلى ثلاثاء ريصانة وقصدت مسجدها، اذ وجدت أستاذا يتعبد في انتظار آذان المغرب، وبعد أن اطلع على حالي، ذهب إلى منزله وأحضر ملابس وسطلين من الماء الساخن، لأستحم بحمام المسجد الذي عادة ما تجده في جميع مساجد القرى، وأغير ملابسي التي تلطخت عن آخرها بالوحل.
تمثل معاناة نساء ورجال التعليم في المناطق النائية تحديا يستدعي تظافر الجهود لتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، وذلك لضمان بيئة عمل مناسبة، كما أن تعزيز المشاركة المجتمعية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي سيساهم في تخفيف الضغوطات والتحديات التي يواجهها هؤلاء الأساتذة.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading