
مختارات رمضانية من اقتراح الأستاذة أمينة بنونة :
حلقة : 1 – ليلة رمضان – الاستعداد للصيام –
بقلم : للإيمان الشباني
عند اقتراب شهر رمضان الكريم تتغير مظاهر الحياة في المجتمعات الإسلامية ويبدأ الناس في الاستعداد لهذا الشهر الفضيل بطرق مختلفة تتراوح بين الروحاني والمادي ومن أبرز هذه المظاهر التي نشهدها كل عام تسابق الناس إلى تحضير الحلويات وشراء لوازم المطبخ بشكل مبالغ فيه وكأنهم يستعدون لمهرجان طعام وليس لشهر عبادة وصيام في الوقت الذي يُفترض أن يكون التركيز فيه منصباً على الروحانيات والاقتراب من الله تعالى
شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهو فرصة لتطهير النفس والروح من شوائب الدنيا والتقرب إلى الله بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والقيام بالأعمال الصالحة ومع ذلك نجد أن الكثير من الناس يحوّلون هذا الشهر إلى موسم للطعام والشراب حيث يمتلئ المطبخ بأنواع لا حصر لها من الأطعمة والحلويات التي قد لا نراها في بقية شهور السنة وتصبح مائدة الإفطار معرضاً لأشهى الأطباق وأغناها وكأن الصيام كان فقط للحرمان المؤقت من الطعام وليس لتربية النفس على الزهد والاعتدال
هذا التوجه المادي يتعارض مع جوهر رمضان الذي يهدف إلى تربية النفس على الصبر والاعتدال والتفكير في الفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون لقمة العيش حتى في غير رمضان فبدلاً من أن يكون هذا الشهر فرصة لتجديد الروح والابتعاد عن الإسراف نجد أنفسنا نقع في فخ الاستهلاك المفرط والاهتمام الزائد بالمأكولات مما يضيع علينا فرصة الاستفادة الحقيقية من روحانيات هذا الشهر الكريم
إن الانشغال بتحضير الطعام وقضاء ساعات طويلة في إعداد الحلويات يسرق الوقت الثمين الذي كان من الممكن أن يُستثمر في قراءة القرآن أو الصلاة أو حتى الجلوس مع الأسرة لتبادل الحديث عن القيم والمبادئ التي جاء بها هذا الشهر الفضيل وقد يتحول الأمر إلى عادة تثقل كاهل الأسر مادياً ونفسياً وتخلق نوعاً من التنافس غير المبرر بين العائلات في إعداد الموائد الفاخرة بدلاً من التركيز على البساطة والخشوع
ومن المؤسف أن هذا التوجه لا يتوقف عند حدود المنازل بل يمتد إلى الأسواق والمحلات التي تعج بالمتسوقين قبل رمضان بأسابيع حيث ترتفع الأسعار وتزداد العروض الترويجية التي تستهدف جيوب الناس وتغذي ثقافة الاستهلاك المفرط وهذا يخلق نوعاً من الضغط الاجتماعي الذي يجعل البعض يشعر بأنه مضطر لمواكبة هذا السباق حتى وإن كان ذلك على حساب ميزانيته أو راحته النفسية
الحقيقة أن شهر رمضان ليس مناسبة للترف بل هو دعوة للتأمل في نعم الله وشكرها وعدم الإسراف في استخدامها قال تعالى “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” فالصيام ليس فقط عن الطعام والشراب بل هو أيضاً صيام عن الشهوات والرغبات الزائدة وتربية للنفس على القناعة والرضا بما هو متاح دون تكلف أو مبالغة
ينبغي علينا أن نعيد النظر في الطريقة التي نستقبل بها شهر رمضان وأن نحاول جاهدين التركيز على الجوانب الروحانية التي جاء هذا الشهر لتكريسها فبدلاً من الانشغال بالمطبخ يمكننا استغلال هذا الشهر في تحسين علاقتنا بالله وبالناس من حولنا عبر الصدقة وصلة الرحم ومساعدة المحتاجين والمشاركة في الأنشطة الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع بأسره
في الختام يبقى رمضان فرصة عظيمة للتغيير وتجديد العهد مع الله وتطهير القلب من حب الدنيا وتوجيه الجهود نحو ما يرضي الله حقاً فإذا استطعنا أن نعيد لهذا الشهر مكانته الحقيقية في حياتنا فسوف نجد أن بركته تتجاوز مجرد الامتناع عن الطعام والشراب إلى تهذيب النفس وتزكيتها وجعلها أكثر قرباً من خالقها