
ذ : أحمد الشواي
في زمنٍ تحوّل فيه العالم إلى شاشةٍ مضيئة، وحيث باتت الأرواح تَتَوقُ لإشعارٍ عابر أو إعجابٍ إلكتروني، كان هناك مجموعةٌ من الأصدقاء سئموا من صخب المقاهي وضجيج الأجهزة. رأوا في أعين بعضهم وهجَ الحنين إلى حديثٍ حقيقيّ، إلى لحظة صمتٍ يتخلّلها تأمل، وإلى ضحكةٍ صافيةٍ لا تُترجمها رموزٌ صفراء.
اجتمعوا ذات مساءٍ تحت سقفٍ بسيطٍ، في ركنٍ هادئٍ من المدينة، حيث لا شاشات تُشتّت الأفكار، ولا إشعاراتٍ تقطع سُبُل الحلم. قرّروا أن يصنعوا لأنفسهم فضاءً للحوار، ملاذًا للكلمة الصادقة، وحديقةً للأفكار التي لا تجد مكانًا في ضجيج العالم.
كانوا يعلمون أن الموسيقى تحمل في أنغامها ما لا تستطيع الكلمات أن تبوح به، وأن الفنون الجميلة هي مرآة الروح التي تعكس أعمق المشاعر وأرقى الأفكار. لذا، تبلورت الفكرة في أذهانهم لتصبح مشروعًا يحمل رسالةً أسمى: إحياء الجمال والإبداع، وإعادة ربط الإنسان بجذوره الثقافية والإنسانية.
وهكذا، وُلدت جمعية زرياب في مدينة القصر الكبير سنة 2002، لتكون منارةً للفنون والموسيقى، ومأوى للأرواح التواقة للإبداع. سُمّيت باسم زرياب، رمز التجديد الموسيقي والثقافي، ليكون اسمها رسالةً بأن الفن لا يعرف حدودًا، وأن الإبداع لا يشيخ.
تحوّل ذلك اللقاء الأول إلى حركةٍ ثقافية، وجدت في الموسيقى لغةً عالميةً تربط بين القلوب، وفي الفنون الجميلة جسرًا بين الأجيال. في مقرّهم، كانت الألحان تعانق الألوان، والكلمات ترقص على أنغام العود والناي. هناك، حيث يُعزف الجمال، وحيث تُروى الحكايات، كانت تُنسج ذكرياتٌ من الدفء والحب.
في ذلك الفضاء، كان الأطفال والشباب يجدون ملاذًا بعيدًا عن هيمنة الشاشات والضوضاء الرقمية. كانوا يتعلمون أن الإبداع ليس مجرد مهارة، بل هو وسيلة لاكتشاف الذات وإعادة بناء العالم. وفي كل نغمةٍ تُعزف، وفي كل لوحةٍ تُرسم، كانت الأرواح تُشفى من تعب الأيام، وتُحلق في سماء الحلم.
لم تكن ” زرياب” مجرد جمعية، بل كانت تجسيدًا لحلمٍ بدأ بلقاء أصدقاء، وامتد ليشمل مجتمعًا بأكمله. كانت دعوةً للعودة إلى الأصالة، للبحث عن الجمال فيما وراء الماديات، وللانتماء إلى إنسانيتنا العميقة.
لكن شعلتها انطفات في لحظة …
وأوأدوها..
كأنها مجرد حلم عابر…
لمن يتذكر هذه الجمعية.. صباح مبارك!..لكم التعليقات على الرحب والسعة…
ح..25/02/2025
( الصورة مأخوذة بفضاء مفتوح لاجمل بيت- استوديو زرته بمدينة فيجيراس باسبانيا..في ايام الجد والنشاط…).